ثقافة

لأول مرة في قسم الرقص “لقاء” امتحان الطلبة أمام الجمهور

ما كان بالإمكان أن يمر عرض “لقاء” الذي قدمه مؤخراً طلبة قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية، والذي كان استعراضاً لنتاج الفصل الثاني للسنوات الثلاث الأولى في القسم، دون ارتدادات تحضّنا على تناول أهمية هذا العرض والاختبارات الأخيرة التي خضع لها هؤلاء الطلاب والتي أخذت هذا العام طابعاً علنياً بعد أن كانت الاختبارات مغلقة وتقتصر على اللجنة الفاحصة والطلبة.

تجربة جديدة
لم يخفِ معتز ملاطيه لي رئيس قسم الرقص أن علانية الاختبارات واعتبار العرض جزءاً أساسياً من الامتحان أمر مقصود، لوضع الطلبة أمام مسؤولياتهم والتعامل مع هذه الاختبارات بمنتهى الجدية من خلال تحضيرهم للقاء الجمهور والوقوف على خشبة المسرح، مشيراً ملاطيه لي إلى أن الفكرة في البداية أصابت الطلبة بالخوف، وخاصة ممن لم يعتادوا بعد الوقوف على خشبة المسرح، إلا أن ملا طيه لي كان مصراً على خوض هذه التجربة رغم تفاوت المستويات بين الطلبة، من أجل تبديد هذا الخوف عند البعض، ولضرورة وضع الطلاب في كل مرة أمام تجارب جديدة، موضحاً أن لقاء الطلبة مع الجمهور يختلف عادة عن لقائهم مع اللجنة الفاحصة بشكل مغلق، حيث يكون الارتباك هنا أكبر والخوف أكثر، في حين أن ذلك يزول في لقائهم مع الجمهور الذي يمدهم بطاقة إيجابية بشكل أو بآخر، مؤكداً أن نجاح التجربة لا يعني بالضرورة تكرارها العام القادم، انطلاقاً من رغبته الدائمة بالخوض في تجارب جديدة. وبالعموم غالباً ما تكون الأمور مرهونة بوضع المعهد بشكل عام ووضع القسم بشكل خاص.

مستوى أكاديمي متطور
وأثنى د.تامر العربيد عميد المعهد، _الذي تابع العرض_ على هذه التجربة ورأى أن تقديم نتاج الطلبة للفصل الثاني للمواد العملية للقسم بهذا الشكل أمر هام، وما قُدِّم مثال على نوعية الجهد والشكل الأكاديمي الذي يشتغل عليه قسم الرقص، منوهاً  إلى أن عرض “لقاء” كشف عن المستوى الأكاديمي المتطور للقسم وللطلبة والتنوع في أساليب الأساتذة، الذي يصب في منهج أكاديمي واحد خضعت له حتى الرقصات الشعبية التي أُدخِلت مؤخراً على المنهاج، وتمنى د.العربيد احتضان طلبة وخريجي قسم الرقص، من خلال إفساح المجال لهم بالعمل حتى لا يغادرونا، وهذا ما فعله كثيرون لعدم وجود فرص عمل لهم.
خطوة هامة
وأشار الإعلامي والناقد سعد القاسم الذي بدا سعيداً بما قُدم، إلى أن التنوع الذي قدّمه الطلبة في “لقاء” كان مناسباً وضرورياً لتعريف الجمهور بالألوان التي تُدرَّس في المعهد على صعيد الرقص، ولا سيما الرقص الشعبي الذي أصبح يُدرَّس أكاديمياً في القسم، وهي خطوة هامة للقسم بعد أن سار خطوات هامة في تعليم الرقص الكلاسيكي والمعاصر، لأنه يلبي ذوق الجمهور لدينا، مبيناً أن هذا العرض كشف عن الفروقات والمستويات المختلفة للطلبة، وهذا أمر طبيعي برأيه لأن العرض ضم طلبة من سنوات مختلفة (أولى وثانية وثالثة) وباتجاه آخر أوضح القاسم أن أكبر مشكلة يعانيها قسم الرقص تكمن في التسرب الكبير للطلبة فيه، ففي الوقت الذي يُقبَل فيه نحو 15 طالباً في السنة الأولى لا يستمر منهم في كثير من الأحيان إلا عدد أقل من أصابع اليد لأسباب مختلفة، اجتماعية وغيرها.

تعميم ثقافة الرقص

ونوّه محمد شباط الذي كان أستاذاً في القسم “الفصل الأول” والذي شارك بصفة ضيف كراقص في “لقاء” إلى أن الاختبارات العمليّة بالنسبة لطلاب الرقص، إنما هي إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها التعرف على المرحلة التي وصل إليها الطالب بعد اشتغاله في العام الدراسي، خاصة وأن بعض الطلاب الذين يدرسون في قسم الرقص يدخلون القسم وهم يعرفون الرقص، وبعضهم لا يعرف شيئاً عنه.. من هنا فإن هذه الاختبارات دليل لإدارة القسم وللطالب نفسه، ليتم التعرف على الإمكانيات التي امتلكها بفضل التمرين والمتابعة، كما أنها فرصة حقيقية ليقف أمام لجنة التحكيم والجمهور ليعبّر عن هذه الإمكانيات من خلال خشبة المسرح.. ويعتقد شباط أن أهم ما يحتاج إليه الطالب اليوم وأي راقص، هو العمل على تعميم ثقافة الرقص في مجتمعنا الذي ما زال ينظر إلى هذا الفن بشكل حذر، وبالتالي لتغيير هذه العقلية لا بد من إدخال مادة الرقص ضمن المناهج الدراسية، إضافة إلى تقديم الدعم الكافي من قِبَل وزارة الثقافة لقسم الرقص في المعهد عبر تجهيز قاعات مناسبة للتدريب وإعادة النظر بالأجور المتواضعة لأساتذته.

توريط الطلاب
وأكدت حور ملص الأستاذة في القسم أن العرض أو أي اختبار يكون عادة خلاصة لما تم الاشتغال عليه خلال السنة الدراسية، وتقديم ذلك أمام الجمهور هو توريط الطلاب بتقديم عرض من حيث الشكل والإحساس وتحمل المسؤولية، وتقديم أفضل ما عندهم بمزاج العرض وظروفه لتهيئتهم للحياة العملية، ولم تنكر ملص أن تقديم العرض أمام الجمهور له سلبياته وإيجابياته للبعض، ولكن بهذه السلبيات والايجابيات تكتمل خبرة الطلاب، وبالتالي فالقضية ليست بنجاح التجربة أو فشلها، إنما بخوضها من خلال التعلم من الأخطاء، وبغضِّ النظر عن الفروقات التقنية التي ظهر بها الطلبة أشارت ملص إلى فروقات أخرى لها علاقة بالتبني، أي قدرة كل طالب على تبني الحالة التي يعبّر عنها من خلال الرقص، وهذا يُكشف بوضوح على خشبة المسرح، منوهة إلى أن الراقص يجب أن يبتعد عن التمثيل في رقصه من خلال حالة التبني الكاملة لما يقدمه.
في حين يؤكد الأستاذان في القسم نغم معلا ونورس عثمان، واللذان لا يريدان الخوض في تقييم أداء الطلبة سواء في العرض أو في الاختبارات، أن تقديم الامتحان أمام الجمهور يقدم للطلاب خبرة إضافية في مجال التعامل مع الجمهور وخشبة المسرح، وأن ما قُدِّم كان مقبولاً ضمن الإمكانيات التي يتمتع بها الطلاب مع تفاوت كبير بين مستوياتهم، مع إشارتهما إلى أن وجود الجمهور مدَّ الطلاب بطاقة إيجابية إلى حد بعيد.

مسؤولية كبيرة
أما الطالبة انجيلا الدبس (سنة ثانية) فترى أن عرض “لقاء” هو حصيلة نتاج عمل فصلين، موضحة أنه تضمن المواد التي يمكن أن يتفاعل معها الجمهور (رقصات شعبية ورقصات الصالونات) في حين أن رقصات كثيرة لها علاقة بالتكتيك استُبعِدت من العرض لعدم ملاءمتها لذوق الجمهور العادي، مؤكدة أن العرض كان مسؤولية كبيرة على الطلاب وأن الجمهور منحها طاقة إيجابية كبيرة، وبلحظات نسيت أنها في امتحان، منوهة إلى أن هدف إدارة القسم من عرض الامتحان أمام الجمهور لم يكن فقط الامتحان بحد ذاته، وإنما زجّ الطلاب في تجربة التعاطي معه، وهذا ما اتفقت معه لارا بخصار(سنة ثالثة) التي بيّنت أن الاختبار يعني الكثير بالنسبة للطالب وهو مؤشر لما أنجزه خلال العام الدراسي، منوهة إلى أنها لا تتعامل مع الاختبار كامتحان فقط، بل تجده فرصة حقيقية لتعبّر فيه عمّا تريده وتكشف من خلاله عن طاقاتها الفنية.
تضمن عرض “لقاء”: الرقصة الكردية-زيّنو المرجة-رقصة ستّي-هيلا سورية (الأستاذ محمد طرابلسي) -رقصة فالس  والسامبا (الأستاذ معروف ديوانة)- رقصة فيرتيغو (الأستاذة نغم معلا والأستاذ نورس عثمان) -ترانتيللا (الأستاذة حور ملص) .
أمينة عباس