ثقافةصحيفة البعث

الروائي الفلسطيني مروان عبد العال .. زمن حرب الروايات السردية

يؤمن الكاتب الفلسطيني مروان عبد العال الذي حلّ ضيفاً على الندوة التي عقدتها أكاديمية دار الثقافة بالتعاون مع المركز الثقافي العربي في أبو رمانة مؤخراً بمشاركة الكاتب د.حسن حميد والناقد أ.أحمد هلال أن العلاقة بين السياسة والثقافة مباحة، حيث أن السياسة تجعل المثقف يرى زوايا ما كان بإمكانه أن يراها، في حين أن الثقافة تهذب السياسة، مشيراً  في تصريحه لـ “البعث” إلى أن الثقافة يجب أن تكون مسيّسة، وكل سياسي يجب أن يكون مثقفاً، وهذا ما آمن به الأديب غسان كنفاني وغيره من الذين ناضلوا بالقلم والبندقية ضد محتل استولى على الأرض ويسعى للاستيلاء على الإرادة والذاكرة والعقل، موضحاً أن المثقف يقاتل على جبهة العقل والإرادة والإنسان، وغيابه عن المعركة فشل كبير في الحرب، فبوجود ثقافة صحيحة تكون هناك سياسة ومقاومة صحيحة، وهذا هو السر في كل الحروب، لذلك لم يعانِ الشعب الفلسطيني برأيه على صعيد محاولات إبادته فقط بل على صعيد الاختراق الثقافي وتبنّي الروايات المزيفة من قبل العدو الصهيوني، مبيناً أن الثقافة ما زالت مقصّرة لأن العدو لديه رواية مزيفة وإمكانيات هائلة ويحتل مساحات غير متاحة للمثقف العربي، منوهاً إلى أنه كروائي كتب روايته عن فلسطين، لكن الرواية كلها وبشكل جمعي لم تنته لأن القضية مستمرة، وأن رواياته ليست توثيقية، وهو الذي اعتمد فيها على الذاكرة الشفوية لأهله وحكاياتهم عن فلسطين، وقد استمد منها شخصيات رواياته التي تقدم رؤية أدبية وعلمية وإنسانية للتاريخ وحركته وتفاعلاته، معبّراً عبد العال عن سعادته بتسليط الضوء في هذه الندوة على بعض رواياته، خاصة وأننا في زمن حرب الروايات السردية.

60 مليون زهرة

وأشار د.حسن حميد في بداية مشاركته إلى أن شواغل كثيرة أخذت مروان عبد العال الروائي، منها الشواغل السياسية ومتطلبات العمل الفدائي، ومنها أيضاً شواغل وثيقة الصلة بالفن التشكيلي وهو صاحب مدونة لونية مبهرة، موضحاً أن السياسة أخذت عبد العال مبكراً، فعشق غيفارا وبابلو نيرودا وغوركي، وأنه منذ تفتّح وعيه وتكاثر معرفته أغرق نفسه بتجربة غسان كنفاني، فجعلها الميدان الذي جرى فيه والدرب الذي تقفّاه، فافتتح مشروع الروائية برواية “سفر أيوب” المطبوعة بدمشق عام 2002 وهي تتحدث عن النكبة الفلسطينية عام 1948 والخروج الفلسطيني ومعانيه ودلالاته والصبر الفلسطيني العميم وفضاء المخيم ومستجداته من جهة، وأحزانه وأحلامه المتجددة من جهة أخرى، وقد ظلّ مروان عبد العال محكوماً مثل الطيور حول موضوعة النكبة والمخيمات ومصائر الفلسطينيين وأحلامهم الولود تجاه العودة حتى في روايته الأخيرة “ضد الشنفرى” الصادرة في بيروت عام 2022 واختار حميد التوقف عند رواية عبد العال “60 مليون زهرة” المطبوعة سنة 2016 مبيناً أنها رواية عن غزة خلال الحرب التي شنّها الإسرائيليون عليها عام 2014 حيث قدم  لنا فيها مشهدية مرعبة عن الحرب وما تفرّخه من خراب وموت وقتل وتشريد وفقد لكل شيء، وكذلك صور المقاومين وهم يتصدّون للقوات الإسرائيلية بمطلق الشجاعة والإيمان والصبر، مؤكداً حميد أن ما قدمه الكاتب في هذه الرواية مطابق تماماً لما يحدث الآن في غزة بكل ما تحتشد به من آلام ومواجع، وبكل ما فيها من همجية وبربرية إسرائيليتين تدمران كل شيء يساعد على الحياة من خلال بطل الرواية عازف الأكورديون الذي يجول من مكان إلى مكان، فيروي بعزفه ما يحدث وسيرة رفاقه وما حلّ بحقول الورد التي داستها جنازير الدبابات مرّات ومرّات، فيجهر أصحابها بأحزانهم ودموعهم وهم الذين كانوا يحلمون ببيع 60 مليون زهرة، لكن البربرية الإسرائيلية محتْ أحلامهم وطوتها، مشيراً حميد إلى أن القارئ في هذه الرواية سيكون أمام مشهدية أليمة، لها جراحها البالغة وقصصها الخاصة عما عاشته غزة وعاناه أهلها وهم يقابلون المحتل الإسرائيلي منذ 75 سنة عبر ثنائية الفلسطيني من جهة، والإسرائيلي من جهة أخرى، الإسرائيلي الذي يدفع بثقافة الموت أينما حل، والفلسطيني الذي يتفلت منها كلما استطاع.

ضد الشنفرى

واختار الناقد أحمد هلال رواية مروان عبد العال الأخيرة “ضد الشنفرى” ليتحدث عنها في مشاركته، وقد وصفها بأنها رواية مركّبة بامتياز، تستند على تاريخ شخصية متفردة واستثنائية، وهذا الاستثناء سيشكل محمول الرواية وانفتاح حقل دلالاتها على ما تعنيه هذه الشخصية في السياقات التاريخية والثقافية، فتستحضر سيرة الشنفرى الشاعر الجاهلي الشريد كراوٍ، فكانت الشخصية الرمزية الرئيسية في الرواية التي تذهب إلى وطن افتراضي هو شلومو الجزيرة التي تستقطب المهجّرين العرب وسواهم، وفيها جنرال اسمه بلفور يعمل على مراقبة الناس والتجسس عليهم، ولتحقيق أهدافه اخترع لقاح سُمي شلومو وهو لقاح ضد الهوية، لكن الشنفرى المسكون بهويته وبرائحة بلاده يدرك أن هويته لن يستطيع أحد اختراقها، وهي هوية كل الذين يشبهونه من سكان المخيمات والأحياء المهمّشة وضحايا الحروب أبناء الموت والحصار والعذابات والدمار، مبيناً هلال أن الرواية تعيد تركيب الحكاية بمنظورات مختلفة ابتداءً من الذاكرة الفلسطينية بحمولاتها التاريخية الصراعية، ليبدو الصراع عودة إلى حقيقة القضية وحكاية الهوية بوصفها بنية تاريخية وثقافية، وعليه ستبدو شخصية شبيه الشنفرى بوصفها البطل الملحمي القادر على الفعل الدرامي، منوهاً إلى أن الرواية تنهض على مرجعيات ثقافية باذخة من الرعب والإعلاء من شأن أسطورة البقاء على قيد الحياة، أي الانتصار، إذ أن الحضارة الإنسانية هي الهوية الإنسانية المشتركة، كما تجهر الرواية وينهش معمارها السردي طليقاً وناهضاً بثقافة الأسئلة والحساسية النقدية، حساسية فكر نقدي يُسائل ليستنتج، ويبني لينتصر كما هو شرط الإنسان أبداً.

يُذكر أن مروان عبد العال روائي فلسطيني وفنان تشكيلي ومناضل سياسي، ولِد عام 1957 في مخيم نهر البارد للاّجئين الفلسطينيين شمال لبنان وله إسهامات أدبية وسياسية وفكرية واجتماعية وفنية وثقافية، وحاز على عدة أوسمة وميداليات وجوائز، منها جائزة القدس للثقافة والإبداع عام  2017 وصدر له من الروايات “سفر أيوب”2002 ” زهرة الطين” 2006 “حاسة هاربة”2008″جفرا  لغاية في نفسها” 2010″ إيفان الفلسطيني” 2011 “شيرديل الثاني”   2013 “٦٠ مليون زهرة”2016 “الزعتر الأخير”  2017 “أوكسجين” 2019″ ضد الشنفرة” 2022 .

أمينة عباس