الواقع بين الهيمنة والتغييب في مسرحية “داخل/خارج السرب

المسرح أبو الفنون مقولة لما تزل حية ومعاصرة باعتباره يتسع في جنباته لفنون عدة، فهناك الكتابة الأدبية عبر النص المسرحي والفن التشكيلي المتعلق بالرسوم والديكور المتوافق مع موضوع النص إضافة للموسيقا والأغاني والنغم، ناهيك عن التمثيل والإخراج وتقنيات الضوء والكاميرا،  لذلك لم تزل خشبة المسرح تمتاز بتلك الجاذبية العفوية لاستقطاب جمهورها، لبساطة وتلقائية التواصل الحي والنابض مع المتلقي وإمكانية التفاعل المباشر معه.
في اختتام عروض مهرجان حمص المسرحي التقى جمهور هذه المدينة التواقة للحياة مع العرض المسرحي “خارج/داخل السر…ب” من إعداد وإخراج سامر أبو ليلى، مأخوذة عن نص للكبير محمد الماغوط, النص الذي اعتمد تقنية مسرحية ضمن مسرحية، فمسرح النخبة يستعد لليلة افتتاح عرض روميو وجولييت لشكسبير مع مخرج جوائز يطمح للنجاح والسفر بعرضه عبر العالم، والمنتج الذي كل ما يخشاه أن يتطرق احدهم للحديث بالسياسة وشاب وشابة لدوري روميو وجولييت. كما يتمحور العرض حول المستخدم عاطف المعبّر عن الشريحة المهمشة والمعفاة من اخذ دورها الحقيقي رغم وعيها وثقافتها، وما إن يبدأ العرض بلوحته الأولى مناجاة بين العاشقين الشكسبيريين حتى يتفاجأ طاقم المسرحية والجمهور أيضا، برجل يبدي ملاحظات بصفة استعلائية ليعرف على نفسه بأنه مندوب مكلّف بالإشراف على سير العمل ومعه تفويض من جهات لتطوير المسرح تابع للجامعة العربية، ليبدأ تدريجيا بالتدخل وتغيير النص وحذف المشاهد التي لا يقتنع بها، وإضافة مشاهد يرتجلها وصولاً إلى إفراغ العمل من مضمونه الفني والفكري بحجة مناسبة العرض للواقع العربي، الأمر الذي يدفع بالممثلين الرئيسين للاعتذار عن العمل ليقوم هو بالإخراج وإحلال  أعضاء لجنته محلهم، ورئيسة اللجنة تأخذ دور جولييت رغم الفارق في العمر والشكل، لنصل بالنتيجة إلى فشل المسرحية، ومع ذلك حلوله جاهزة ببيع المسرح برمته.. وهو مقتنع أن فريق العمل سيعود إليه عندما يجوع وسيندرج في برامجه عندما تتضور أمعاءه.
عاطف المستخدم البسيط والطموح لأخذ دور على المسرح وعلى الحياة، كذلك هو حربة المواجهة مع هذا المشروع بعد نجاته من الانتحار حيث تنتهي المسرحية وسط تشابك وعراك بالأيدي بين عاطف ومؤيديه والمندوب وزبانيته، وبين من التحق به من ضعاف النفوس.
تفاوت أداء الممثلين حيث كان لسرعة النطق بالحوار تغييباً لفهم الكثير من العبارات، ومع ذلك شهدنا تشكيلات حركية رشيقة وأداءً متميزاً للشاب يعرب حوراني الذي قام بدور عاطف، والديكور بسيط ومتناسب مع الحدث ومساعدا على تأثيث الفضاء المسرحي، حيث جسد الشرفة والدرج التي يقف عليها العاشقان, وطاولة الاجتماعات المقامة على كفن العشاق بدلالة مرمزة على الموت المحتشد وراء هذه المفاوضات، وأيضاً في طرف المسرح هناك مجسم يشبه أنبوب نفط ضخم بداخله يد تؤشر وتشير وتتلاعب بإشارة مضمنة للأيادي المتدخلة بالقضية والواقع، وبذلك يكون الديكور لعب دورا مفصليا بالتأكيد على فكرة النص، كما كان تناوب العتمة والضوء في تنقلات الكاميرا تغطية مهمة لحركة الشخوص وظهورهم واختفائهم.
السخرية الناقدة ورغم المرارة فيها يأتي تأثيرها كنوع من الاعتراض على نمطية مفروضة، و”القفشات” الكوميدية تلقاها الجمهور بتفاعل رغم إني اعتبرها أصبحت من التقليعات القديمة والباطلة، كوننا اعتدنا عليها في نصوص الماغوط لشخصية دريد لحام المتناسبة مع الكاريزما خاصته، وقد عرفناها في أعماله ولا أجد ضرورة لتكرارها.
نستطيع القول أن العمل حقق أوليات الفرجة المسرحية، بالنبض المتواتر للموسيقا الشعبية التي غطت الانتقال بين المشاهد بسلاسة وانسيابية، محققة انسجاماً حياً مع الجمهور الذي كانت ردود أفعاله المتجاوبة جلية وواضحة، واعتقد إن مقولة العرض واضحة وقائمة ومستمرة بالفن وبالحياة، تلك التي تضمنت مسألتين مزدوجتين قضية المسرح وقضية الواقع العربي برمزية مفهومة تتبادلان التأثر والتأثير، تلك القضية التي تعاني من كثرة الجهات التي تعلن عن وصايتها وعزلها عن أصحابها الحقيقيين، وكثرة المتطفلين على قرارها وصولا إلى حرفها عن مسارها وإفشالها وتصفيتها، هذا الفهم ينطبق على الكثير من أشكال الرقابة والوصاية الخشبية على نواحي الإبداع، وقولبتها في اطر تختزل روحها ومعناها. لذلك كان خيار المجابهة واستمرار صراع الوجود قائماً ومستمراً مادامت الحياة.
مبارك لاتحاد عمال حمص حيث نالت المسرحية جائزة أفضل ممثل لـ يعرب حوراني عن دور عاطف
جائزة أفضل اخراج لـ سامر ابراهيم أبوليلى
تنويه لجنة التحكيم لأداء هلا سلوم عن دور جولييت
عن عرض (خارج/داخل السر…ب)
تأليف محمد الماغوط – اعداد واخراج سامرأبوليلى

دعد ديب