ثقافة

شراع المركب بأيدي أطفال ثقافي كفر سوسة

عندما يتراود للذهن اسم رواية الكاتب حنا مينه “الشراع والعاصفة” ينتابه شعور بالفخر والعظمة تجاه هذا العمل المبدع، وعندما يختتم المركز الثقافي في كفر سوسة فعاليته ” هنا الآن” التي امتدت على مدى ثلاثة أيام، بعرض فيلم “الشراع والعاصفة” إخراج غسان شميط –للأسف- لا ينتابه شعور الرضا أبداً.

تمت الدعوة لحضور الفيلم، واللافت عند لحظة الوصول هو جمهور الفيلم، لتكون المفاجأة كبيرة بتواجد عدد كبير من الأطفال لحضور فيلم للكبار، في البداية سألت إن كان هناك صالة أخرى للعرض لأنه بالتأكيد لن يكون “الشراع والعاصفة” جمهوره أطفال، ولو كان كذلك كان الأولى أن يكون اسم الفيلم “روضة شراع الطفولة”، تقبلت في البداية المشكلة، وبعد تأخير نصف ساعة بدأ الفيلم -بأسوأ صورة يمكن أن تظهر- في العرض، وبدأ معه الأطفال يمارسون كل نشاطهم في اللعب، وكيف لا؟ والمساحة كافية ليخرجوا ويصعدوا وينزلوا ويعتلون المنصة لكي ينادوا لبعضهم عبر مكبرات الصوت والميكرفونات دون رقيب أو ضابط لهم.

هو فعل طبيعي بالنسبة لأطفال لم يتجاوزوا الثالثة عشرة من عمرهم. بعد مضي ربع ساعة من عدم التركيز في الصورة المتحركة على قماش أبيض مهترىء، خرجت من الصالة لعليّ أجد حلاً لهذه الكارثة، وتوجهت إلى غرفة يجلس فيها أربعة أشخاص، دخلت وأنا أملك من القوة ما يكفي لكي أطالب بالقليل من الاحترام لعمل استنفذ من المخرج الكثير من الوقت، دخلت وقلت فيلم للكبار لماذا جمهوره صغار؟ فأجابني أحدهم –وأعتقد أنه المسؤول عن هذه البلبلة كلها- لقد تحدثنا إلى أهالي طلاب المركز لحضور فيلم دون إخبارهم أنه للكبار، نظرت إليه نظرة غريبة وسألته عن المخرج؟ فأجابني في الداخل، لكنه في الحقيقة ليس في الصالة، وتابعت حديثي: لو تعلم ما يحدث في الداخل؟ ذهب بدوره وحاول ضبط الأولاد وأنزلهم عن المنصة، وسار الوضع على ما يرام.

هي دعوة ظالمة بكل معنى الكلمة بحق المخرج –كما رأيتها- فقد حزنت جداً على تعبه، وكأن إدارة المركز استخفت بهذا العمل القيّم من ناحية الحضور أولاً –مع احترامي للأطفال- وثانياً من ناحية العرض، وقد توجهت إحدى المداخلات للمخرج غسان شميط–بعد انتهاء الفيلم- “في الحقيقة أقدر تعبك في إخراج الفيلم، إلا أنك أتعبتني برؤيته كثيراً” فيجيب المخرج: “أنا أحضرت النسخة الصافية للفيلم، ولكن أجهزة المركز لم تقرأه، وقد تبرعت مديرة المركز بنسخة قديمة للعرض، وهذه كانت النتيجة”، وأضاف شميط: جئت عدة مرات ووقفت على الباب وقلت “الله يعين يلي عم يشوفوه”، وهنا بالذات تبادر إلى ذهني لماذا لم يتم تأجيل العرض والمناقشة؟ فهو ليس أول شيء يتم تأجيله؟.

لحظة انتهاء الفيلم، ومثل أي عرض تضاء الصالة، ليتبين أن عدد الحضور لا يتجاوز السبعة أشخاص من الكبار وعدد قليل من الأطفال ينتظرون أهاليهم ليصطحبوهم إلى المنزل، وبدأت مناقشة الفيلم بإشراف الإعلامي والمخرج علي العقباني بالترحيب بالجمهور والأطفال وتوجيه السؤال لهم: هل أحببتم الفيلم فيجيبون بعفوية “لا”، وهو جواب متوقع.

في البداية، بدأ مخرج الفيلم غسان شميط بالاعتذار قائلاً: يبدو أن سوء الحظ يلاحق الفيلم أينما حلّ، ففي عرض الافتتاح كانت بداية الحرب والمشاكل وأذكر أن الفنانة الراحلة رندة مرعشلي لم تستطع الوصول في وقت العرض إلا بعد تأخير تجاوز النصف ساعة، وكانت وقتها الاقتراحات في التأجيل، لكنه عرض رغم كل الظروف، وأصابه سوء عرض أيضاً من قبل في ثقافي أبي رمانة، وفي الأمس بقيت لعنة سوء العرض معه.

بدوره الناقد السينمائي ومدير المهرجانات في مؤسسة السينما عمار أحمد حامد شكر الأطفال الذين بقوا لآخر الفيلم، ووصفها بالثقافة السينمائية الطفلية، أما عن الفيلم فتحدث: في الواقع تكمن أهمية الفيلم في مشهد “العاصفة” والذي يعتبر من أهم المشاهد في السينما السورية فهو صعب التنفيذ، وقد تم في نفس الأستوديو الذي صور بعض مشاهد فيلم التاتينك، وهي تعتبر بصمة وهوية للمخرج غسان شميط.

وأضاف: فيلم “الشراع والعاصفة” عن رواية للكاتب حنا مينه تحمل الاسم ذاته، وقد اختزل شميط الكثير من شخصيات الرواية وهذا شيء طبيعي، فالمخرج يصبح السيد عندما تكون الرواية بين يديه.

ومن ضمن المداخلات كان السؤال الذي يبقى قائماً في الأفلام المأخوذة عن أعمال روائية، من يتفوق على الآخر الفيلم أم الرواية؟، وطرح الشاعر مفيد بريدي فكرة أن الروائي لا يتخيل أن ما يكتبه سينتقل إلى آلية أخرى غير المطبوع على الورق، وقد أبدع الأستاذ غسان شميط في خلق عاصفة وشراع جديدة بالاعتماد على نص الكبير حنا مينه -الذي كان عاملاً في ميناء اللاذقية-، وقد استطاع التحكم بهذا الحدث السينمائي ووضع بصمته عليه، وامتلك خيوط اللاعبين الأساسيين في الفيلم، وختم الشاعر بريدي بالسؤال: “إلى أي مدى يتفق المخرج العربي مع رؤية الروائي العربي في السينما؟”.

جمان بركات