ثقافة

الرعب.. من الطقس إلى الفلكلور

مومياء ملفوفة بالقماش إلى جانبها مصاص دماء يضحكان مع شبح على قارعة الطريق، هذا بعض ما تقدمه لنا أفلام السينما في عيد الرعب مستمدة مادتها الأساسية من الأدب، فغالباً ما يكون الهالوين محفزاً للكثير من الناس لتقمص شخصيات لن تظهر للعلن إلا في هذا اليوم، ومن هذه الكلاسيكيات قصة “دراكولا”التي كتبها “برام ستوكر” والتي استوحاها من شخصية حقيقية وهي الأمير فلاد دراكولا الذي حكم هنغاريا ورومانيا وكذلك أيضا من الشخصية الواقعية الكونتيسة إليزابيث باثوري من ترانسلفانيا التي اشتهرت بجمالها، والتي اعتقدت أن دماء الفتيات الشابات ستحفظ لها ديمومة تألقها، كتبت هذه الرواية في أواخر القرن التاسع عشر على نمط مذكرات يرويها البطل جوناثان هاركر، المحامي الشاب الذي يكلف بمهمة الذهاب للقاء الكونت المقيم في قلعته حيث يبدأ بالتنبه إلى بعض الوقائع الغريبة في القلعة، ومنها عدم وجود أية مرآة وكذلك عدم تناول الكونت للطعام أو الشراب، بالإضافة إلي غيابه الدائم خلال النهار وعدم نومه في غرفته وغير ذلك من دلائل وبعد العديد من المغامرات والمطاردات التي تثير الرعب في القارئ يُقتل الكونت بغرز وتد في قلبه وفصل رأسه عن جسده وحشوه بالثوم حيث يتحول حينها الجسد إلي رماد.

ومن الطبيعي عندما نتحدث عن الرعب ألا نستغرب اسم الكاتب الكبير إدغار آلان بو الذي يقول عنه الفيلسوف الإنجليزي الشهير فرانسيس بيكون “لا يوجد جمال دون غرابة في المكونات” هذه المقولة التي تنطبق على إبداع ألان بو ومن أكثر أعماله المتميزة قصيدة الغراب التي تتحدث عن زيارة غامضة يقوم بها غراب ناطق إلى عاشق مضطرب يرثي فقدانه حبيبته ليزيد من أسى العاشق بترديده المستمر لكلمة “لا ثان” جمل شعرية متميزة وقوية قادرة على خلق صور مفزعة بطريقة حقيقية كأنك تراها بالعين بل كأنك داخل ما يصفه وتشتم رائحة الموت في كل مكان محدقاً في عين الغراب القاتمة.

وعندما يتعلق الأمر بالهالوين فلابد من الحديث عن أهم شخصية يتقمصها المحتفلون وهي فرانكشتاين للكاتبة ماري شيلي عام 1818 والتي تعد من أكثر الروايات شهرة في أدب الرعب، وتدور أحداثها حول طالب ذكي اسمه فيكتور فرانكنشتاين الذي يصنع المخلوق المسخ المعروف بالقبح الشديد عن طريق سرقة أعضاء الجثث الميتة وإعادة تركيبها للمخلوق الخارق، ثم يسرق دماغ مجرم معتوه ويقوم بتوصيل الكهرباء للجسد وينتظر صاعقة رعدية تضرب المسخ لتدب فيه الحياة.

هذه أهم الروايات التي خلقت عالماً غريباً مليئاً بالأحداث المرعبة معطيةً أفكاراً خلاقة لكل من يريد أن يتميز في الهالوين، هذا العيد الذي ليس بعيداً أيضاً -كما الروايات -عن الأساطير فقبائل السلت الوثنية في ايرلندا تحتفل به سنوياً في مهرجان أطلق عليه “سامهاين” أي نهاية الصيف بالإيرلندية القديمة وكان هذا المهرجان على قدر كبير من الأهمية لتلك القبائل فهو يمثل الخط الفاصل بين نهاية الصيف فصل الخصب والنماء وبداية فصل الشتاء الذي يمثل الجانب المظلم من السنة، فارتبط العيد بموسم الحصاد والاستعداد لأيام البرد والظلمة، حيث قام الناس بحصد المحاصيل وحفظها بالإضافة لحيواناتهم المدجنة استعداداً لهذا الموسم وساد الاعتقاد حينها أن البوابة بين عالمي الأحياء والأموات تُفتح في ذلك اليوم، وهذه الأرواح ستأتي لزيارة أقاربها وأحبائها، لذا كان السلتيون يخصصون مقعداً فارغاً للزوار من أمواتهم، طبعاً ليس الأخيار من الموتى مَنْ يأتون، بل جهنم كانت تقذف بأرواح الأشرار والعفاريت والشياطين وكانوا يعتقدون بأن الأموات ستقوم بأعمال شريرة كإتلاف المحاصيل وقتل المواشي، لذلك كان لابد لهم من تقديم القرابين لتلافي أذاهم فقاموا بوضع جزء صغير من المحاصيل الزراعية ولحوم الحيوانات أمام منازلهم وارتدوا ثياباً من جلود الحيوانات وصوفها وقبعات من رؤوسها حتى لا تميزهم الأرواح الشريرة، وأشعلوا النار لإخافتهم والحفاظ على حياة الفلاحين وأسرهم. استمر الاحتفال بالسامهاين حتى بعد وصول المسيحية فقام المهاجرون الأيرلنديون والاسكتلنديون بنقل طقوس المهرجان إلى أمريكا وكندا والتي سرعان ما أصبحت جزءاً من فلكلور البلاد وخاصة أنه جاء متزامناً مع عيد القديسين، فسهل ذلك تقبل الناس له، فتم المزج بين العيدين وباختلاف الأزمان اختلفت الأزياء وصار الناس يأخذون القرابين من أمام المنازل وكانت هذه بداية تقليد “خدعة أم حلوى” المشهور في عيد الهالوين.

علا أحمد