ثقافة

“عرض البحر” تمزج العبث بالعنف على خشبة سعد الله ونوس

تجيء مسرحية “عرض البحر” لمخرجها مجد فضة التي تعرض على خشبة سعد الله ونوس في المعهد العالي للفنون المسرحية بمثابة إطلالة على أبرز نصوص الكاتب البولوني سلافو مير مروجيك من خلال نسخة سورية عمل عليها دراماتورجياً إبراهيم جمعة وتمثيل وسيم قزق والفرزدق ديوب وياسر سلمون.

التجربة التي قدمها المعهد في فصله الدراسي الأول من هذا العام بدت أقرب إلى مسرح اللامعقول من حيث اعتماد المخرج على أسلوب الغروتيسك والذي يمزج بين ظاهر مرح وكوميدي وباطن مأساوي عنيف عكست قالباً عبثياً لشخصيات العرض متكئة على تقنيات مسرح الحكي مع الإبقاء على هيكل النص الأصلي في أعالي البحار حيث نشاهد ثلاثة رجال يقطعون رحلتهم نحو المجهول فوق طوف خشبي وليكون الجمهور شاهداً على تباينات حادة في الشخصيات الثلاث حيث هناك الانتهازي والرومانسي والعضلي الأهوج.

أنماط تكشف عبر حوارها المطول عن ماضيها قبل اختيارها للهجرة عن بلادها وعن قصص حب وخيبات عاشتها الشخصيات الثلاث في عملها وعلاقاتها الحميمية وصدامها مع الآخر كل حسب وجهة نظره لكن ومع نفاد المؤن على متن الطوف تتكشف نوازع بدائية لدى الرجال الثلاثة وصولاً إلى فرضية التضحية بواحد منهم ليكون زاداً للرجلين الآخرين بدلاً من موت الجميع جوعاً.

مكاشفة سوف تودي بالجميع إلى تعرية مباشرة وقاسية يتبادل عبرها الجميع الاتهامات فاتحين مزاداً على لحم كل منهم للآخر ليفتح النقاش واسعاً على النواة الأصلية لإنسان الألفية الثالثة الذي بشر به ممدوح عدوان في كتابه “حيونة الإنسان” أو عبر راوية “العمى” للبرتغالي جوزيه ساراماغو حيث تفضح المحن الكبرى الجانب الوحشي للبشر فتجردهم من إنسانيتهم ليكونوا وجهاً لوجه مع الطبيعة البدائية الأولى بعيداً عن قيم التحضر والمدنية وفي عصر تسوده أخلاق الحرب وحكمة البقاء للأقوى.

في تجربته الإخراجية الثانية بعد مسرحية “النافذة” يذهب مجد فضة إلى إدانة ساخرة للإنسان المعاصر والذي حولته الأزمات إلى كائن يأكل لحم أخيه ميتاً متنازلاً عن أخلاقه وروحانياته عارياً أمام جوعه وعطشه ونزعته المتوحشة مستعينا بسينوغرافيا ولاء طرقجي التي قدمت حلاً بصرياً وظفه المخرج لصالح عناصر العرض ككل دون أن ينجح في صهر هذه العناصر في بنية العرض لتبقى الطوافة عنصراً تزيينياً كان من الممكن الاستغناء عنه بمساحة فارغة دون أن يترك ذلك أثراً يذكر على الفرضية المقترحة.

من جانب آخر طغت الحواريات واستطالت في كثير من المواضع في عرض البحر مقتربةً من الثرثرة في العرض الذي امتد على ساعتين ونصف من الزمن دون التركيز على بنية الصراع إلا في نهاية المسرحية ما أدخل الجمهور في المتوقع إضافةً إلى أسئلة كثيرة تركها النص المعد بلا أجوبة عن وجهة الرحلة وأسباب هجرة الرجال الثلاثة ودخول الشخصية الرابعة على خط الأحداث دون تبرير يذكر سوى الإغراق في الغرائبية على حساب تسلسل الأحداث أو التمهيد لها بشكل مناسب مستخدماً مسرح القسوة إلى أبعد حد ممكن.

ويضم فريق مسرحية عرض البحر تصميم وتنفيذ الإضاءة.. أوس رستم -مساعد سينوغراف.. رشا زنداقي- مساعد إضاءة.. براء طرقجي -تصميم بروشور وأفيش.. أيهم ديب والعرض من إنتاج وزارة الثقافة المعهد العالي للفنون المسرحية.