دراساتصحيفة البعث

الاتحاد الأوروبي وآسيا بين الشراكة الناجحة والإخفاق!!

 

ترجمة: عناية ناصر
غلوبال تايمز 14/2/2018
بما أن المستشارة أنجيلا ميركل قد تعثرت في مفاوضات تشكيل ائتلاف حاكم جديد في ألمانيا، فقد تُرك المشهد واضحاً لزعيم أوروبي آخر ليحتل مركز الصدارة، وأنا لا أقصد تيريزا ماي، إذ يبدو أن قبضة رئيسة الوزراء البريطانية على السلطة هشة، لأن المحادثات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فشلت في إحراز تقدم على نحو مُرضٍ تحت قيادتها.
القوة الأبرز في أوروبا في الوقت الحالي على الأقل، هو رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، الذي أظهر في زيارته الأخيرة لبكين ثقته بمنح الرئيس شي جين بينغ هدية رائعة، وهي حصان يدعى فيسوفيوس، في لفتة بارزة على الطراز الفرنسي الكلاسيكي.
هل يمكن اعتبار ماكرون بعد ذلك زعيماً جديداً للاتحاد الأوروبي؟ ربما من السابق لأوانه قول ذلك، لأنه مع اختتام محادثات تحالف ميركل بنجاح، من المرجح أن تسعى المستشارة الألمانية إلى إعادة اعتبارها كصانعة الصفقات في أوروبا والمتحدثة باسمها، والنتيجة الأكثر احتمالاً، في الواقع، هي قوة فرنسية ألمانية مزدوجة على المسرح العالمي بقيادة شراكة ماكرون ميركل، ولكن فيما يتعلق بعلاقات أوروبا مع آسيا، ليس واضحاً كيف سيسير هذا الاتجاه.
كان الاتحاد الأوروبي وحتى وقت متأخر منشغلاً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحل أزمة اللاجئين، وبمختلف الحملات الانتخابية أيضاً، الأمر الذي يعني أن السياسة تجاه آسيا لم تعد من الأولويات، ومع بروز ماكرون وميركل الآن معاً في حقبة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي ينبغي أن تعزز الوحدة الأوروبية والميثاق الفرنسي الألماني، هناك إمكانية قوية لمزيد من الشراكة الأوروبية مع الشرق الأقصى من القارة الأوراسية.
لكن الوصول إلى علاقات متطورة مع الصين لن يكون بالأمر السهل رغم زيارة ماكرون الناجحة لبكين في أوائل كانون الثاني، إذ لا تزال بروكسل تشعر بالريبة من الدوافع الكامنة وراء مبادرة الحزام والطريق الصينية واسعة النطاق والاستثمارات المرتبطة بها من قبل الشركات الصينية في المشاريع الأوروبية، وسيكون من الصعوبة بمكان تغيير تلك القناعات.
ولا شك في أن أوروبا تحتاج إلى أن تكون أكثر فاعلية في آسيا ككل، ومع ظهور الحوار الأمني ​​الرباعي، أو الرباعي الهندي- المحيط الهادئ، وهو التحالف المفترض بين الولايات المتحدة، والهند، واليابان، واستراليا، فإن الاتحاد الأوروبي معرّض لخطر أن يترك على الهامش، أما إذا تبنى الرباعي موقفاً معادياً للصين ولروسيا، فسيتوجب على بروكسل أن تقرر الجهة التي تريد الوقوف بصفها، وبطبيعة الحال، فإن الاتحاد الأوروبي هو أضعف من أن يكون لاعباً عالمياً، لأنه يفتقر إلى جيش، وهذا يجعل قوته في آسيا البعيدة شبه معدومة، ومن هنا، من المرجح أن يكون لأوروبا تأثير خطير في المجال الاقتصادي.
وباعتباره أكبر شريك تجاري للصين، فإن الاتحاد الأوروبي يتمتع بنفوذ أكبر مما قد يبدو للوهلة الأولى، وتظهر الزيارات الأخيرة التي قام بها ماكرون وماي أن بكين تقدر الشركاء الأوروبيين، حتى أولئك الذين يغادرون الاتحاد الأوروبي، والسؤال هو: ما الاتجاه الذي ستسلكه أوروبا؟ أفضل التوقعات هي أن بروكسل لن تكون مفرطة الفاعلية فجأة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ، ودون قاعدة صلبة للقوة سيكون من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يفعل أكثر من مجرد إصدار تصريحات، عادة ما يكون معظمها فارغاً، ولا معنى لهذه التصريحات حول حماية حقوق الإنسان، وبالتالي، فإن المشاركة النشطة في القضايا الآسيوية تبدو بعيدة تماماً.. لقد حان الوقت كي يعترف الأوروبيون بأن مركز الثقل العالمي قد تحول إلى حافة المحيط الهادئ من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك، سيكون هذا الاعتراف أمراً صعباً تقبله على الغطرسة الأوروبية، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لتغيير هذه العقلية في المستقبل.
إن منتهى الأمل هو أن يشهد محور ميركل ماكرون حكمة توجيه أوروبا نحو مستقبلها المؤيد لآسيا، وإذا كان باستطاعتهما ومستشاريهما تطوير استراتيجية مناسبة تجاه منطقة الهند- المحيط الهادئ، استراتيجية لاتزال غائبة حتى الآن عن أروقة بروكسل، عندئذ ستكون هناك فرصة للتقدم.
لقد قامت ميركل بزيارة الصين بمعدل مرة واحدة سنوياً خلال العقد الماضي، لذلك فهي تعرف أهمية آسيا، وتبيّن رحلة ماكرون إلى بكين برفقة مجموعة صغيرة من رجال الأعمال أنه اكتشف ذلك أيضاً، وعلى هذا الأساس، لا يسع المراقبون إلا أن يأملوا في أن تؤدي السنوات القليلة القادمة إلى مشاركة أوروبية أكثر حزماً في الشؤون الآسيوية، مع عقلية أكثر إيجابية تجاه المنطقة التي من المؤكد أن مستقبل العالم سيتشكّل فيها ومن خلالها في القرن الحادي والعشرين.