أخبارصحيفة البعث

سورية والهستيريا الإعلامية ثقافة «صيد الساحرات»

 

د. مهدي دخل الله

من يستغرب هذا التصعيد في الحملة الإعلامية – السياسية على سورية لابد له من الدخول عميقاً إلى«النفسية العامة» التي يبنى عليها السلوك الإقصائي الأوروبي..
لن أدخل هنا في تلافيف «المركزية الأوروبية» التي تعني أن كل ماهو أوروبي حضاري، وكل ماهو خارج القارة وأولادها ( أمريكا وأستراليا) مجرد ثقافات شرقية ميتا فيزيكية (ماورائية) متخلفة ومنعزلة..
يهمني هنا شيء آخر… وهو ثقافة «صيد الساحرات» التي سادت أوروبا وأمريكا عصوراً طويلة، ويبدو أنها تركت أثراً دامغاً في النفسية الحالية للقارة العجوز وأولادها..
تكفي العودة إلى نص جان بول سارتر الشهير الذي يروي لنا مضامين هذه الثقافة. وهو النص الذي أخرجه آرثر ميللر في فيلم شهير اسمه «ساحرات سايلم» عرض فيه حدثاً محدداً جرى في هذه المدينة الأمريكية المحافظة. هذا الحدث يرمز إلى الممارسة التي سأتحدث عنها والتي كانت ظاهرة سائدة في المجتمعات الأوروبية.
يكفي أن تتمرد سيدة جميلة وترفض رغبات القائم على السلطة الكنسية أو السياسية حتى تعلنها الكنيسة ساحرة يجب حرقها لتخليصها من الشيطان المسيطر على جسدها. وهكذا يبدأ الهيجان الجماهيري للبحث عن المسكينة التي تهرب إلى الغابة لعلها تنجو بنفسها.
يترك الرعاع أعمالهم ليبحثوا عن المرأة كي يكسبوا بذلك ثواباً «إلهياً» ورضى الحكام. هيجان وهيستيريا تمتد ساعات وسط الصراخ والحماسة لإنقاذ البشرية من شر هذه المسكينة.. ويكون للذي ألقى القبض عليها تمهيداً لحرقها «ثواب» كبير و«مغفرة »أكبر..
ما يحصل الآن حول امرأة جميلة رفضت إغواء جبابرة العالم يستند تماماً إلى ثقافة «صيد الساحرات». وهذا الهيجان غير المسبوق حول «الجميلة سورية » (هذا التعبير للكاتب الفرنسي ميشيل رانبو) وهذه الهستيريا المقززة لايمكن فهمها إلا عبر إرجاعها إلى جذورها الثقافية المذكورة..
الفرق بين سورية «وساحرات سايلم» أن «ساحرتنا الجميلة»، التي سحرت العالم فعلاً بصمودها، لم تهرب إلى الغابة ولم تسلّم جسدها وروحها إلى الجبابرة ورعاعهم. الجميلة تصدت وتتصدى، قاومت وتقاوم، وستنجح في تحويل الهيستيريا الإعلامية الحالية إلى مجرد زوبعة في فنجان.
mahdidakhlala@gmail.com