ثقافةصحيفة البعث

“لتسكنوا إليها” شبّاك مُشرع على حكاية سوريّة جدا

 

عن فكرة لـ “سامر برقاوي” سيناريو وحوار الكاتبة “رنا سفكوني”، جاءت حلقة “لتسكنوا إليها” من مسلسل “شبابيك”إعداد بشار عبّاس- إخراج: سامر برقاوي، لتقدم فرجة تكاد تقترب في أشغالها العامة من فكرة أو مفهوم”الكوميديا السوداء” –مع غياب للتابو هنا- بسلاسة جذابة، وذلك باللعب الذكي على متناقضات الحياة في زمن الحرب، وعلى التضاد الغريب فيها، بعرض واقع حال المبكي يُضحك فيه، ولتكون تلك الخطوط الدرامية في الحلقة، توثيقا ليس للدقة، بل للذاكرة الجمعية، توثيق اجتماعي لحال الكثير من العائلات السوريّة،التي غيرّت الحرب حياتها بظروفها المترافقة، فالحكاية تدور حول زوجين –أدى دورهما كل من أحمد الأحمد و كندا حنا- شابان في مقتبل العمر، ارتبطا بالزواج بعد حب، واضطرتهما ظروف الحرب للنزوح والسكن بالإيجار، ثم الخروج حتى من حالة الإيجار، ليصل الأمر بهما للنوم على الرصيف، كل على حدة؛ إنه رصيف، لكنه سجن لرجل وامرأة، بينهما حاجز من حديد “باب المستودع” المقفل، والكثير من الحواجز اللامرئية، تلك التي تبدأ بالظهور بحديثهما عما آلت إليه حالهما، فشخصية الزوجة، تتحول إلى سندريلا في بيت خالتها بعد أن لجأت إليه هي وزوجها، والظروف المتمثلة بتعصب ابنة الخالة، ونفورها منهما بحجة أنها لا تأخذ راحتها في وجود الزوج حتى وهو يخرج من أول النهار ولا يعود حتى آخر الليل، تلك الظروف لم تسمح ببقاء الزوج، لتبقى الزوجة في بيت الخالة، تقوم بأعمال البيت، تحت أنظار ابنة الخالة، التي تتصرف تماما كالقريبة الشريرة في القصة الشهيرة “سندريلا”، بالتحكم بقريبتها، ومعاملتها كخادمة، لكن حادثا ما سوف يجري، عندما يعود زوج بنت الخالة من السفر، ويعمد إلى التحرش بالزوجة ليلا، لتهرب من البيت، تحت جنح الظلام، دون أن تتنازل عن كرامتها، ودون فضائح أو من “فم ساكت” كما يقال، تضيق الحال بالزوجين اللذين يبحثان عن مريض يشتري ما تبقى من الدواء الذي جلبه “عماد” بسعر مرتفع “مئة ألف ليرة” لأبيه الذي كان مريضا بمرض نادر ومات، وبثمن هذا الدواء يأمل أن يستطيع استئجار منزل، لكنها تذهب كصدقة، لأسرة فقيرة هي من يحتاجها ولا تملك ثمنها، وبعد أن تتقطع بهما السبل في وجود مكان يبيتان فيه ليلتهما، تطلب الزوجة إلى زوجها أن يذهب معها لفكرة لمعت في رأسها، ذهب الزوجان إلى المقبرة، والزوجة تعلل أمام ذهول الزوج، بأن أمها قالت لها قبل أن تموت:” إذا ضاقت بك الدنيا، تعالي وأدعي عند قبري” وما أن ينهي الزوجان الفاتحة على روح المرحومة، حتى يجيء الحل، إنهما الآن في مكان مريح، وسيبيتان فيه وقتا لا بأس به، حتى أن الطعام سيصل إليهما وهما نائمان في سريرهما، ففي اللحظة التي انتهى فيها كل منهما من قراءة الفاتحة، جاءت قذيفة بالمكان، وهكذا صارت المشفى التي نُقلا إليها هي المكان الذي سيبيتان فيه، حتى وهما ملفوفان بالجبصين من رأسيهما حتى أخمص قدميهما.

الحوار الرشيق عموما والمؤثر بين الزوجين بشكل خاص، منعكس بشكل طبيعي عن طبيعة الشخصيتين، فالحكاية بطلها هنا الحالة، وهما من يشكلاها معا، الحب الذي يجمعهما يخفف من تلك المعاناة، ويجعل حتى مالا يحتمله عقل، قابلا للاحتمال، طالما أن ثمة شريكا محبا ومتفهما، الانتقال السلس بين المشهد والأخر، خصوصا وأن السيناريو، مُشتغل عليه ببراعة، وقد يشعر المشاهد بأنه سمع تلك القصة بل القصص أو بعضها كحالة سندريلا مثلا التي حضرت في واحدة من تصعيد ظروف الأسى في الحكاية “فوق الموت عصة القبر” كما يقال.

ما من إطالة بلا طائل في زمن القصة المنضبطة ربما بمعرفة طبيعة النهاية، والتي هي عادة أصعب ما يفكر فيه الكاتب، فهي من ستخرج الشخصيات من مصائرها المعلقّة، هنا الخاتمة مفتوحة، وكل مشاهد ووفق ما شاهد، سيقرؤها بالطريقة التي يراها، وهذا ذكاء في العمل، إشراك المشاهد في الكتابة التخيلية، فيشعر أنه بطريقة ما، جزء من الحكاية؛ تقنية ناجحة في المسلسلات التي هي من نوع “المتصل-المنفصل”.

ورغم خطورة هكذا خيار، بترك النهاية مفتوحة، إلا أن سياق الأحداث والعمل على حل المشكلة الأهم، يتم حله في السياق العام للحلقة، أما ما يمكن أن يحصل بعد أن وجد الزوجان سريرين في المستشفى مثلا، وهي مكان مؤقت للنوم فيه في برد الشتاء، حتى وهما مصابان، فهذا متروك للمتفرج؛ النهاية المفتوحة أيضا هنا، تُشرك الدولة والمجتمع المدني والرأي العام، بالعمل على حل تلك المشاكل العالقة بسبب الحرب، كثر من السوريون ينامون في الشوارع، وهذا ما مروا ويمرون به بسبب الحرب، تلك التي لم تحضر في الحلقة إلا في الخلفية البعيدة تارة، وتارة بشكل مباشر كالقذيفة، كما يحدث مع الناس عموما.

حلقة “لتسكنوا إليها”، هي من الحلقات الجيدة في العمل ككل، حتى لو تم توظيف أكثر من حكاية أو فكرة مألوفة لخدمة الحكاية التي تخصنا، وهذا يجوز طالما أن الكاتب يستطيع التفوق في تقديم الفكرة نفسها حتى على من قدمها، وهذا حدث في الحلقة، التي اضحكت وابكت ونبهت وحركت لواعج المحبين أيضا في طريقها، بعد أن كدنا ننسى أن ثمة عشاق شرعيين، أفعالهم في الغزل هي الحقيقية.

تمّام علي بركات