ثقافةصحيفة البعث

خالية من الهموم الثلاثية

 

أفشل دائما في امتحان الحضارة، وكل ما أحلم به أبسط مما تتوقعون بكثير، ضجيجها يؤرقني، أنفها المرفوع للأعلى يسلب مني جمال الكلمة والتعبير.
لطالما أهملت كل ما حولي وكل ما يثير دهشتي وفضولي، لأنتظر غيمة قد تأتي لترمي حملها على روحي وتجلس وتستريح، لم أكن على علاقة جيدة إطلاقا مع الحضارة ومشتقاتها، حتى إنني أكره مخترعو الأبواب والشبابيك.!.
اليوم ولماذا، لا أدري، حاولت أن أجاري الموضة فخسرت دهونا زائدة كانت على قول صديقتي تحتاج لمحرقة، أقلعت عن تناول اللحوم التي تبدو حمراء، النشويات والزبدة الساخنة، ثم قاطعت السكريات والشوكولاته العزيزة على قلبي بشكل عدائي، والمشروبات الغازية التي اكتشفت أنها تسبب أمراضاً أكثر من السياسة ومشتقاتها، صرت خفيفة مثل ريشة في يوم عاصف، وشعرت بأنني الوحيدة المقصودة في أغنيات تصف رشاقة عود البان، أصبحت مفرداً بعد ما كنت جماعة.
أمسكت هاتفي البالغ الذكاء وحذفت منه كل التطبيقات التي لا أحتاجها أو التي قد لا أحتاجها أو تلك التي عدم بقائها لن يقصر عمري شهراً قمرياً، ثم فتحت ألبوم الصور، هناك ذكريات تثير الضحك وأخرى تزيد المرارة، حذفتها جميعها لأنني قرأت مرة أن الحياد في المشاعر يطيل العمر.
ذهبت إلى جهات الاتصال هناك خمسمائة اسم ينشطون في حالة العزاء أو حالات طلب العون، أزلتها جميعها ولم يتشظّ قلبي، أبقيت خمسة أسماء أحتاجها ولا تحتاجني على الأغلب، حذفت كل الإضافات حتى عاد هاتفي بدائيا وتساوينا بحدود الذكاء واللا حضارة.. لم أبق أي حنين لأحد في قائمتي، قلبي الآن ردهة فندق.
أخليت رأسي من المواقف السياسية التي تسبب الصداع النصفي، توقفت عن التفكير بأمر اللاجئين وصلاحية المعلبات، اعتزلت مجالس العزاء وتشييع ما تبقى على القائمة من مشاريع شهداء، حتى الشريط العاجل الذي يبشر بقرب انتهاء الحرب لم أكترث لمروره.
حمية نباتية وسياسية وتكنولوجية وقلبية وحضارية، اتبعتها منذ بداية إحساسي بالتخمة واقترابها من مستوى الخطر، اعتقدت أن الأمر كل ما هو فائض عن الخصر، لكنني اكتشفت أن في قلبي بدانة، وفي رأسي سمنة، وفي هاتفي تخمة بحجم دب، عدت خفيفة مثل ريشة في يوم عاصف، هاتفي لا يرن إلا للطوارئ التي تحدث، ورأسي فارغ ككرة قدم خارج الخدمة، وقلبي كما قلت ردهة فندق، صرت الآن امرأة صحيّة بكل ما للإصرار من معنى، خفيفة الذهن، سعيدة ، خالية من الكولسترول، امرأة بلا هموم ثلاثية.. لكنني أسقط بكثرة..!.
لينا أحمد نبيعة