تحقيقاتصحيفة البعث

سكر الرواتب وعلقم التصريحات!

 

“صعوبة زيادة الرواتب في الوقت الحالي، والأسباب تعود للإيرادات التي لم ترتفع للدرجة التي تسمح بزيادة يشعر بها المواطن”، هذا الحديث المكرر وضعه الناس في خانة نعوة زيادة الرواتب، وإسدال الستارة على هذا الملف بعد أن علّقت عليه أوسمة الأزمة بكل جدارة، وسُجل في سجل النسيان والتأجيل، فعلى ما يبدو لم ولن تكتب الحياة لهذا الملف الهام والضروري، رغم الضغط الشعبي، والمطالبات المستمرة بإعادة النظر به، خاصة أن معظم الدراسات المهتمة بالوضع المعيشي للأسرة السورية أكدت أن متوسط احتياجات الأسرة السورية المكوّنة من خمسة أفراد يعادل أكثر من (230) ألف ليرة سورية، أي يزيد بمقدار أربعة أو خمسة أضعاف متوسط دخل الأسرة على الأقل من الرواتب والأجور، وبمقدار يزيد أكثر من سبعة أضعاف متوسط دخل الفرد الواحد البالغ حوالي (33) ألف ليرة سورية!.
ورغم أن الحديث عن الرواتب والأجور قد يحرج الحكومة، ويحشر الكثير من وزاراتها ومؤسساتها في خانة التقصير، وعدم الإيفاء بالوعود، إلا أن ارتدادات وتداعيات هذا الملف على حياة الناس تمنحه فرصة الطرح، والأخذ بوجهة نظر قد تعيد بصيص الأمل للواقع المعيشي، خاصة أن الفجوة بين الإنفاق والدخل من الرواتب والأجور أدت إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية: (فقر- فساد– قتل– سرقة– خطف– تسوّل – عمالة أطفال، وغيرها)، الأمر الذي يشكّل تحدياً جوهرياً أمام الحكومة في عملية الإصلاح الاجتماعي الذي ستكون تكلفته أعلى بأضعاف مضاعفة أمام تكلفة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في يومنا هذا.
ورغم اكتناز الجعبة الوزارية بالحلول البديلة (حسب التصريحات) التي لو دققنا في تفاصيلها لوجدنا أنها بمجملها جامعة لكل ما قيل وطرح في مسارات العلاج والإصلاح، وبشكل يرضي كل من يسمعه، ويجدد الأمل فيه، ولكن هذا الاكتناز الخلبي لا يبدد المخاوف، ولا يشبع أو يروي ظمأ الجيوب العطشى التي باتت تحت خط الفقر، فالمنظومة الحالية للأجور أصبحت متقادمة، ومعقدة، وغير متجانسة، واستمرارها من شأنه أن يؤدي إلى استمرار الاختلالات، ولذلك لابد من قرار جريء يدعم المنظومة الأجرية، ويجعلها محفزة، ومنصفة، وشفافة بدلاً من المزيد من القرارات الخانقة التي تزيد من أعباء الناس، وتوسع الفجوة بين الأجور والأسعار، فيسقط المستوى المعيشي اللائق للسواد الأعظم من الشارع السوري في ظلمة الفقر المدقع!.
وباختصار يمكن المقاربة المجازية بين ما يحدث وحدث في ملف الرواتب والأجور لجهة الوعود المستنسخة بعلقم التصريحات الرسمية، والمحلاة بسكر الإجراءات البديلة مع قصة الراعي والذئب الذي فقد مصداقيته وثقة الناس بكلامه، فبات يصرخ وحيداً في وادي النسيان، في حين افترس الذئب (الفقر) آمال النجاة والإنقاذ!.

بشير فرزان