اقتصادصحيفة البعث

بل من الأساسيات..!

لم تعد العمارة الخضراء ضرباً من ضروب الترف العلمي الذي يحلو للبعض تأطيرها ضمن هذا السياق، وإنما باتت تفرض نفسها كأحد أهم مكونات المشهد العقاري في كثير من دول العالم، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بالبيئة، وأخرى لها علاقة بتأمين مصادر الطاقة وتكلفتها على المديين المتوسط والبعيد في ظل عالم متعطش للاستحواذ عليها.

ورغم أن الأبحاث والدراسات المعنية بهذا الموضوع لا تزال تسير بخطى متثاقلة  إلا أن ما أنجز منها يَعِدُ بمدن خضراء كفيلة بالحد من التلوث البيئي والانبعاثات الغازية خاصة تلك الصادرة عن الصرف الصحي، وعلى اعتبار أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فلا ضير أن تعتمد جهاتنا الحكومية المعنية بقطاع الإسكان معايير العمارة الخضراء ولو بالحدود الدنيا لاسيما بما تخطط لتنفيذه مستقبلاً وأن تلزم بها كذلك القطاع الخاص الذي يستحوذ على الحصة الأكبر من كعكة العقار.

وعلى اعتبار أن سورية –حسب بعض التقارير- من أكثر دول المنطقة المناسبة لتطبيق مفاهيم العمارة الخضراء من خلال امتلاكها للمقومات المطلوبة لذلك خاصة من ناحية توفر الطاقات البشرية والهندسية والخبرات في جميع قطاعات البناء والتشييد، وتوفر جميع مستلزمات العمارة الخضراء من المواد الأولية والقدرة التصنيعية، إضافة إلى توفر مصادر الطاقة المتجددة اللازمة لتطبيق مفاهيم العمارة الخضراء في معظم المناطق السورية، فإن تطبيق برنامج الإدارة الخضراء في قطاع العمارة والبناء والتشييد وإقامة المدن الخضراء، باتت تفرض نفسها كأحد أبرز أساسيات العمران الحديث، وبالتالي لا بد من مجموعة من القوانين والتشريعات الحكومية حول اعتماد العمارة الخضراء بديلاً للعمارة التقليدية، واعتماد الكود الأخضر في البناء بديلاً للكود العربي، بحيث تشجع هذه القوانين على ترسيخ العمارة الخضراء كخيار لا بد منه، من خلال إعفاء جميع مواد العمارة الخضراء من الضرائب والرسوم خاصة في حال تصنيعها محلياً، وتعديل المناهج في كليات الهندسة في جميع الجامعات السورية لاعتماد مبادئ العمارة الخضراء وأنظمة حفظ الطاقة السكنية والعزل الحراري.

يبقى أن نشير ختاماً إلى أن تأثيرات الأنشطة العمرانية والمباني على البيئة لها أبعاد اقتصادية واضحة والعكس صحيح، فاستهلاك الطاقة الذي يتسبب في ارتفاع فاتورة الكهرباء له ارتباط وثيق بظاهرة المباني المريضة التي تنشأ من الاعتماد بشكل أكبر على أجهزة التكييف الاصطناعية مع إهمال التهوية الطبيعية، وهذا ينسحب أيضاً على الاعتماد على الإضاءة الاصطناعية لإنارة المبنى من الداخل مما يقود إلى زيادة فاتورة الكهرباء وفي نفس الوقت يقلل من الفوائد البيئية والصحية فيما لو كانت أشعة الشمس تدخل في بعض الأوقات إلى داخل المبنى.

حسن النابلسي

Hasanla@yahoo.com