اقتصادصحيفة البعث

المحكمة الاقتصادية بدمشق تفصل بـ805 دعاوى منذ إحداثها مكافحة الروتين الوظيفي الخطوة الأولى لتطبيق قانون العقوبات الاقتصادية..

 

 

ليست العناوين العريضة وحدها من يحدّد حجم الفساد ومدى انتشاره في دولة ما، ففي هذه الحالة حتى “إذا” تقدمت الحكومة بخطوات إيجابية لمكافحته لن يكون ذلك كافياً إن بقيت المكافحة المأمولة بعيدة عن مؤسسات الدولة الصغيرة منها قبل الكبيرة، وما قد تحتويه بين غرفها من أنواع للفساد الإداري بتأثيراته العديدة على جميع مفاصل العمل والإنتاج، سواء لجهة إهدار المال العام وإساءة استخدامه، أم لجهة استغلال منصب ما بهدف تقديم أعمال وخدمات لمجموعة من الأشخاص مقابل الحصول على مقابل مادي.

لم تتوقف
إلا أن رئيس محكمة الجنايات الأولى بدمشق القاضي حسام العلوش يؤكد أن الجهود المبذولة في هذا السياق لم تتوقف يوماً، لافتاً إلى أنه تمّ إصدار عدة قوانين هدفها مكافحة الروتين والفساد الإداري بشقّيه المالي والتنظيمي، كان آخرها قانون العقوبات الاقتصادية /3/ لعام 2013 لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية وحماية الاقتصاد الوطني والمال العام، وضمان السير للنشاط الاقتصادي في إطار النزاهة والشفافية، فقد أشار القانون بالتفصيل لماهية كل جريمة اقتصادية وهدف مرتكبها والعقوبة القانونية بحق الفاعل أو المحرّض أو الشريك أو المتدخل.
ويبيّن العلوش أن الفساد المالي هو الأكثر انتشاراً حالياً، وله عدة أشكال تتوزع بين تلقي الموظف هديةً أو منفعة مقابل إنجاز عمل ما أو تأخير ما كان عمله واجباً عليه، وبين سرقة أو اختلاس الأموال العامة أو إساءة الائتمان عليها، وهو ما حدّد القانون عقوبته بالسجن لخمس سنوات على الأقل، مضيفاً أنه يوجد أشكال أخرى للفساد المالي قد تتمثّل بعدم التقيد بالأحكام والقوانين، أو التقصير في العمل الذي يتسبّب بخسارة مبلغ يعود للمال العام.

غير ملموسة
إن طرق الاعتداء على المال العام لا تشترط أن تكون ملموسة -بحسب العلوش- كحالة دفع الرشوة أو التزوير أو الحذف أو الإضافة أو تشويه المستندات، إنما يتعلق الأمر بمدى منفعة الطرف الآخر من جهة، والضرر الذي ألحقه المتهم بالمال العام من جهة أخرى، أما بالنسبة للعقوبة فهي أيضاً لا تتوقف عند السجن بل تفرض المحكمة غرامة مالية في حال ثبت الاعتداء، وتُلزم المتهم بسد الخسائر للجهة المتضررة ودفع تعويض عن الضرر.
وعن مدى فاعلية قانون العقوبات الاقتصادي الحالي للحدّ من ظاهرة الفساد، يرى القاضي حسام العلّوش أن القانون حديث العهد وإذا ما طُبق كما هو دون التفاف من مرتكب الجرم أو إخفاء أدلة أو تشويه مستندات وما إلى ذلك من أفعال تؤدي إلى إجهاض الواقعة الجرمية، فإنه يلعب دوراً مهماً في مكافحة الفساد الإداري والحدّ من توسعه. إلا أن رئيس محكمة الجنايات الأولى كان له بعض الاقتراحات المتمثلة بعدم منح المتهم الأسباب المخفّفة للعقوبة في حال عدم تسديده الالتزامات المالية المترتبة عليه وإزالة الضرر اللاحق بالجهة العامة، وأن يصبح مقدار العقوبة أكثر صرامة ليكون عبرة للغير ورادعاً قوياً يمنع من ارتكاب الجرم، فضلاً عن ضرورة مكافحة الروتين الوظيفي وتحسين الوضع المعيشي للموظف حتى يجابه الدافع الأكبر للجرم والمتمثل بسوء الحالة المعيشية.
كما يشير العلوش إلى وجود محاكم مختصة، سواء أكانت مالية أم اقتصادية لتطبيق هذا النوع من القوانين، مؤكداً على تمتّع القضاة بالخبرة الكافية نظراً لتعاملهم مع تلك القضايا بشكل متواصل. فيما بلغ عدد الدعاوى الواردة إلى المحكمة الاقتصادية (محكمة الجنايات الرابعة) منذ إحداثها عام 2015 وحتى اليوم 760 دعوى، في حين تمّ الفصل بـ 805 دعوى، مع الإشارة هنا إلى وجود دعاوى متراكمة قبل إحداث المحكمة.

أساليب
وفي إشارةٍ منه إلى الأساليب التي قد يتبعها المتهم للتهرب من المحاكمة، يوضح العلوش أن من يحاول التحجج بتعاطيه المخدرات أو المشروبات الكحولية ليتهرب من عقوبة إلحاق الضرر بالمال العام، لم يتح له قانون العقوبات الاقتصادية الفرصة “لينفذ بريشه..!”، فقد اعتبره المشرّع أنه أوجد نفسه في تلك الحالة عمداً للإضرار بالمال العام واعتبرها حججاً واهية، ونصَّ القانون في مادته السابعة على ما يلي: “من أضرّ بالأموال العامة بسبب تعاطيه المخدرات أو المشروبات الكحولية يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات”، بينما تلجأ المحكمة للخبرة الطبية في حال المرض النفسي لتحديد فيما إذا كان الشخص يعي ما يكتب ويقول بتاريخ وقوع الجريمة أم لا.. وكلما زاد عدد الخبراء من الأطباء كانت النتيجة مضمونة وناجحة، حيث تعتمد المحكمة على خبير أو ثلاثة أو خمسة خبراء لتجنّب التواطؤ بين الطبيب والمتهم (أو من يرعاه)!.
ريم ربيع