اقتصادصحيفة البعث

التفاصيل تعرقل مشروع وطني متكامل.. عضو مجلس خبراء “التنمية الإدارية” لـ”البعث”: ضعوا أسساً للإدارة الناجحة وكفى إضاعة للوقت!

 

 

في العام ألفين وما تلاه، أطلق رئيس الجمهورية حراكاً سياسياً واقتصادياً وإدارياً، حيث طرح لأول مرة في سورية، عملية الإصلاح الإداري، لافتاً إلى أنها ليست شعارات مرفوعة أو أحلاماً مرغوبة، وإنما هي النتائج التي نحصل عليها، ومن ضمن الأدوات المهمّة والضرورية لنجاح عملية الإصلاح المنشود، كان إحداث المعهد الوطني للإدارة، لكن وللأسف لم يتمّ استثمار الخريجين فيه بشكل جيد، كما لم تحقّق عملية الإصلاح أحلام الناس والموظفين، لا بل حصلت عملية مقاومة رسمية وشعبية للإصلاح!!.
هذا ما أكده لـ”البعث” عضو مجلس الخبراء في وزارة التنمية الإدارية عبد الرحمن تيشوري، خلال لقاء تقييم معه لعملية الإصلاح الإداري في سورية، بعد كل هذه السنوات من انطلاقتها.

لماذا ومن..؟
تيشوري طالب ولا يزال، بإعادة تقييم تجربة الإصلاح، وإعادة تقويم تجربة إعداد الكادر، أي تجربة المعهد الوطني للإدارة بهدف المعرفة، فلماذا لم تتحقّق عملية الإصلاح؟، ومن المسؤول، الحكومة أم وزير المالية أم الوزارات الأخرى..؟. ولأجل ذلك، أكد عضو المجلس، أن الرئيس بنفسه ومباشرة هذه المرة، قد تدخل في عام 2017 ليؤكد اختلاف النظرة والطريقة والأسلوب، حيث طلب من كل وزير وضع رؤية محدّدة لوزارته، على قاعدة “نحدّد ثم نحاسب ثم نعود للعمل ووضع القطار على السكة الصحيحة”.

لم نقم بذلك..!
في ضوء ما سبق يُجمل الخبير أسباب تعثّر عملية الإصلاح وعدم تحقيقها للأهداف، التي أرادها القائد الإداري الأعلى في الدولة، وهي من وجهة نظره تتمثّل بجملة من الأمور، إذ رأى أنه ورغم نتائج الحرب الكارثية، لم نُحدّث الوسائل والأدوات بشكل كافٍ ولم نستفد منها، بدليل أن أغلب المراسلات مازالت ورقية، كما لم نفعّل دور الأجهزة الرقابية حتى الآن (الهيئة المركزية والجهاز المالي)، وخاصة الرقابة الداخلية، وأيضاً لم نضع جداول تنفيذية لكل مرحلة من مراحل الإصلاح ولم نقم بتقويم الإصلاح دورياً. وإضافة لذلك، لا توجد لدى الجميع في سورية (حكومة ومديرين وأحزاباً وإعلاميين)، رؤية موحدة للإصلاح محدّد فيها كل شيء، ناهيكم عن عدم دعم دور المكتب المركزي للإحصاء، وهيئة تخطيط الدولة، والجهات التخطيطية الأخرى في باقي الجهات العامة.

ما زاد..!
وما زاد “الطين بلة” في عملية الإصلاح –بحسب الخبير- هو أننا لم نعمل على تطوير الهياكل التنظيمية والأنظمة، بشكل يؤدي إلى إعادة توزيع السلطات وتبسيط الإجراءات وضمان الشفافية وتدفق المعلومات. كما لم نسدّ النقص الحاصل في كثير من الأنظمة والقوانين والتشريعات التي تعيق تطوير المؤسسات والشركات والجهات العامة، ولم نهتم بالعنصر البشري السوري المؤهل عالياً، ولم نربط الحوافز بأسلوب موضوعي لتقييم الأداء، ولم نستثمر خريجي المعهد الوطني للإدارة بشكل جيد، وأخذنا الحافز وماتت التجربة ولم نقضِ على البطالة المقنعة. وليس أخيراً، عدم العناية باختيار أفراد إدارة الإصلاح الإداري وعدم تحديد جهة الإصلاح، حيث بقيت الإدارة تعمل بلا أبٍ أو راعٍ وبلا غاية وبلا هدف!.

مديرون متخلفون..!
ومن خلال متابعته لعملية الإصلاح في مفاصل الجهات العامة، لاحظ تيشوري عدم اعتماد أغلب المديرين على التقانة، مشيراً إلى أنه حينما ندخل إلى مكتب أي مسؤول إداري، فإن أول ما نشاهده هو جهاز الحاسب، ولكننا بعد فترة وجيزة نلاحظ بأنه لا يقوم باستخدامه أو لا يحتاج إلى استخدامه، فللحصول على أية معلومة أو استرجاع أية بيانات، يستعين أو يطلب من مرؤوسيه توفيرها له!. وقد نستغرب أن رئيس دائرة أو رئيس قسم لا يعرف ما هي مهماته وواجباته!، مستشهداً على سبيل المثال لا الحصر، أنهم في العام الماضي كلِّفوا من قبل محافظ طرطوس السابق، بتقييم الأداء الوظيفي للمؤسسات وللمدراء، وقد لاحظوا أشياء عجيبة غريبة في جهازنا الإداري!!.

إعادة صياغة..
وعليه ونتيجة لما آلت إليه عملية الإصلاح، يقترح عضو المجلس ويدعو من جديد إلى إعادة صياغة الخطة الإصلاحية، والدعوة إلى مؤتمر وطني للإصلاح في المعهد الوطني للإدارة يحضره جميع الخريجين برعاية كريمة من رئاسة الجمهورية، لتقييم ما جرى وإعادة وضع الأمور في نصابها ودعم وزارة الإصلاح (التنمية الإدارية)، مالياً ولوجستياً، لتتمكّن سريعاً من إصدار قانون المراتب الوظيفية، وتنفّذ قانونها الجديد رقم 28 المتضمن دورها الدائري المحوري، وتمارس مهام التدريب والتقييم والتحفيز والتنظيم، مشيراً إلى أن هذه المهام الغائبة اليوم، هي عماد الإدارة أصلاً.
وعلى التوازي يطالب بجعل خريجي المعهد الوطني نواة هذه الوزارة، التي يجب أن تتبع لقمة السلطة أي لرئاسة الجمهورية، التي تكرس القناعة بجدية واستمرار الإصلاحات، من خلال اهتمام ومتابعة السيد الرئيس للإصلاحات بشكل دائم ودوري، وإحداث سلك للمديرين، وتسمية الخريجين في المسميات الوظيفية، بحيث تتناسب والتأهيل العالي والرفيع الذي حصلوا عليه في المعهد بقرار رئيس مجلس الوزراء، وإعادة رسم الأمور بشكل محدّد وتنفيذي، ثم المراجعة الدورية للإصلاح.

تشاركية..
كما يؤكد على وجوب إعادة صياغة إستراتيجية وطنية سورية تشاركية للإصلاح، تركز على ثماني نقاط رئيسية بهذا الشأن، تبدأ من ضرورة تبني منهج فكري خاص يقوم على الابتكار والجرأة والتشخيص وقول كل شيء وعدم عرقلته وحمايته من قبل الرئيس، ومأسسة عملية الإصلاح فوق وزارية، وتحديد الجهة الراعية للتواصل مع السيد الرئيس شهرياً لضمان النجاح وعدم الفشل، إلى جانب ضمان وتوفير شمولية وتكامل الإصلاحات، وتأكيد استمرارية ومستقبلية الإصلاحات، ووضع الأولوية لتنمية العنصر البشري السوري، وتطبيق مرسوم إحداث المعهد الوطني للإدارة كما وضعه المشرّع (حافز ووظيفة)، وعلى التوازي تنمية العناصر الفنية للإصلاح، من هياكل تنظيمية وقوانين وتشريعات وأساليب وأدوات، على أن تكون نقطة البدء توصيف وظيفي دقيق مع خارطة شواغر واضحة، وخارطة موارد بشرية، وإزاحة كل المديرين القديمين، لافتاً إلى أهمية تحديد مواعيد زمنية لمراحل الإصلاح، والاجتماع الدوري مع السلطة الراعية لتقييم الإصلاح.

أما بعد..
الرجل لم يخفِ إدراكهم بأن عملية الإصلاح الإداري، ضخمة وصعبة ومعقدة، لكنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة، حيث تمّت في تونس والإمارات وماليزيا والاتحاد السوفيتي السابق وأماكن أخرى في العالم، وبالتالي نحن قادرون على القيام بمثل ما فعله الآخرون، وإن طال عدد الشهور والسنوات، بشرط أن (نبدأ صح.. لنستمر صح.. وننتج صح)، خاتماً كلامه بأن المجاملات والمحسوبيات والشخصنة والواسطات والتلفونات، مظهر فساد، مشدداً على ضرورة وضع أسس للإدارة الناجحة، فكفانا إضاعة للوقت والتخريب لسورية!.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com