تحقيقاتصحيفة البعث

مواجهة الطفل الغاضب.. مشكلة كبيرة تستنفر الحلول العلمية والمعرفية والسلوكية

يلجأ الوالدان إلى الصراخ والانفعال بشدة أمام الثورات الانفعالية عند الطفل، وفي حال استسلما لرغبات طفلهما يتحول الغضب إلى أسلوب الطفل المفضل لتلبية رغباته وحاجاته، وفرضها في أسرته، ويعتبر الغضب عند الأطفال أمراً طبيعياً، وسلوكاً سوياً، وهو رد فعل غريزي عند الشعور بالإحباط، أو التعرّض لهجوم أو مواجهة ما، ويعبّرون عن غضبهم بكثرة الصراخ والبكاء، وأحياناً بالضرب، وضرب الأرض بقدميه، ويصاحب ذلك الصوت المرتفع، وتكسير الأشياء، ورميها على الأرض، وفي بعض الحالات يتصلب جسم الطفل عند حمله لغسل يديه أو قدميه، وتكون هذه التعبيرات عن الغضب بين سن الثالثة والخامسة تقريباً، وبعد سن الخامسة يكون تعبير الغضب في صورة لفظية أكثر من كونها فعلية، ويتأثر الطفل الذي ينفعل بطريقة مبالغ بها، حيث يختل التفكير السليم لديه، والحكم على الأحداث والمواقف، ومع تطور نمو الطفل تصبح لثورة الغضب أضرار وسلبيات على المجتمع والطفل كسوء العلاقات الاجتماعية، والحالة النفسية للطفل، كما ينشأ على اعتقاد أنه ينبغي لمن حوله تحقيق رغباته، ومن لا يفعل سيعامله بحقد وكراهية.

نوبات طفيفة
يصاب الطفل بنوبات الغضب من حين لآخر، ومهمة الآباء التغلب والسيطرة عليها، ومنع حدوثها مرة أخرى بعيداً عن أساليب تعنيف الطفل، أو حتى إصدار الأوامر الرافضة لرغبته، لأنها حلول مؤقتة، حيث ينصرف لبعض الوقت، ثم يعود لعناده من جديد، الدكتورة سهام عبد الله، “علم اجتماع”، لديها نصائح للتعامل مع نوبات الغضب عند الطفل، وكذلك كيفية منعه من الوصول لمرحلة الغضب مرة أخرى، منها نصائح عامة كوضع الأشياء الخطرة أو المعرّضة للكسر بعيداً عن متناول الطفل، وتنظيم مواعيد يوم الطفل كتحديد وقت خاص للقيلولة، ووقت خاص للغذاء، ويجب مراقبة الطفل، وإذا لوحظ أنه بدأ يدخل في مرحلة الإحباط يجب التدخل حتى لا يصل لمرحلة الغضب، وترى عبد الله أنه لابد من توفير فرص للطفل للتفريج عما بداخله كالركض في الفناء، أو الرقص مثلاً، فذلك يزيد من قدرات عقله، وإعطاء الطفل بعض التحكم واختيار ملابسه وطعامه وألعابه، وعدم فرض الآراء عليه كلياً، ولابد من استخدام الأشياء الترفيهية، واعتماد التغيير كشراء لعبة جديدة، أو إحداث نشاط جديد في حياته، وعندما يصل الطفل إلى سن دخول المدرسة تبدأ مرحلة جديدة من أساليب ضبط الغضب، وهي تحتاج إلى التواصل الدائم بالحديث معه، وإخباره كيف يجب أن يكون سلوكه في مواقف مختلفة، وإلزامه بالقوانين الصارمة والواضحة، وتتابع عبد الله: عند أخذ كل تلك الاحتياطات قد يصاب الطفل بنوبات غضب طفيفة، وهنا يجب تجاهل الطفل، والذهاب لغرفة أخرى، أو تكملة المهام المنزلية وكأنه لم يحدث شيء.

إيذاء النفس
هناك بعض المواقف التي تشير إلى غضب الطفل الصامت وإيذاء النفس، وتكون ناتجة عن تكليف الطفل بأداء أعمال فوق إمكانياته، ولومه عند التقصير، ما يعرّضه للإحباط بصورة متكررة، يبيّن الدكتور جهاد الطويل، “صحة نفسية”، أن غضب الطفل يكون ناتجاً عن بعض الأخطاء السلوكية لدى الأهل، وعدم تعاملهم معه بطريقة صحيحة كحرمانه من الاهتمام والحب والعاطفة، وفرض الأوامر عليه، واستخدام أساليب المنع والحرمان دون سبب مقنع، والمفارقة أن تدليل الطفل والاستجابة لرغباته دائماً يجعله يلجأ للغضب في حال عدم الاستجابة له، كما أن القسوة الشديدة تشعره بظلم المحيطين به، وعدم قدرته على التعبير عن مشاعره، وتعتبر مشاهدة النموذج الغاضب سبباً هاماً، فالطفل يتأثر بأحد والديه، أو معلميه، أو ما يراه عبر وسائل الإعلام، أيضاً شعور الطفل بالفشل في حياته كالتأخر الدراسي، أو عدم تكوين العلاقات الاجتماعية، يؤثر على انفعالات الغضب لديه، ويساهم نقد الطفل ولومه وإغاظته أمام الآخرين، خاصة من لهم مكانة عنده، في إثارة الغضب لديه، أو التعدي على ممتلكاته.

إجراءات تخصصية
أول خطوة يمكننا اتخاذها للحفاظ على هدوء الطفل هي ضبط غضب الوالدين، والحفاظ على اتزانهما أمام غضب الطفل، وعدم مقابلته بردة الفعل نفسها، ليستطيع مع الوقت تعلّم الأسلوب الأمثل للتعبير عن غضبه، ومن الأساليب التي يجب مراعاتها في التعامل مع الطفل الغاضب، بحسب اختصاصي علم الاجتماع الدكتور أمجد حسين، عدم التدخل في ممارسات الطفل، أو إرغامه على الطاعة دون إقناعه وإجراء حوار معه، والابتعاد عن حرمان الطفل من ممتلكاته الشخصية، أو تكسيرها وقت غضبه، وتجنب مناقشة مشاكل الطفل مع الآخرين على مسمع منه، كما علينا تذكر أن الطفل من المرجح جداً أن يقلّد أسلوب والديه في التعامل مع الإحباط، ويجب علينا عدم إهمال الطفل، وعدم تفضيل أحد إخوته عليه، أو مقارنته بشخص آخر، ومن الضروري الابتعاد عن إثارة الطفل بهدف الضحك، وتخويفه أو تهدئته بالعنف، وعلينا ألا ننسى ضرورة أن يحصل الطفل على كمية كافية من النوم والراحة والطعام والفرصة للعب بحرية خارج المنزل إذا وجد المكان الآمن، ويجب عدم إكثار الأوامر والتعليمات عليه، أو تكليفه بأعمال تفوق طاقته، مع عدم قيام الوالدين برفع الصوت، وممارسة السلوك الغاضب أمام الطفل حتى يتعلّم ضبط النفس في المواقف المحبطة، وعلينا إرشاد الطفل للوضوء عندما يغضب، وكيفية الاسترخاء وإراحة الأعصاب.

تحذيرات هامة
أهم الأمور التي يجب تجنب القيام بها عندما يمر الطفل في نوبة الغضب، بحسب الاختصاصي، التزام الهدوء، وتجنب معاقبة الطفل بالصراخ أو الضرب، ومحاولة التركيز على الرسالة التي يحاول أن يوصلها الطفل، وعدم تجاهل سلوك الطفل بصورة تامة، والاتجاه نحو التشجيع اللفظي للطفل عند ظهور ملامح الندم والأسف على وجهه، أما إذا توقف الطفل عن الصراخ وهدأ يمكن اغتنام الفرصة، وإظهار الاهتمام به، وكيف يجب أن يتصرف ليحصل على ما يريد، وعلينا الاهتمام بالأوقات السعيدة للطفل، وتخصيص وقت يومي للاسترخاء، أو قراءة قصة، أو حتى التنزه في الهواء الطلق، فالطفل يحتاج لبعض التعاطف واحترام مشاعره، فشعور الطفل بأنه مفهوم يقلل من نوبات الغضب عنده، والاعتماد على مكافأته على السلوكيات الإيجابية الجيدة التي يفعلها، واستخدام روح الدعابة في التعامل مع غضبه كالضحك، أو تمثيل لعبة بأصابع اليد، وغالباً يستغني الطفل عن نوبات الغضب لديه عندما يستطيع أن يعبّر عما في داخله بالنطق.
ميادة حسن