دراساتصحيفة البعث

أمريكا اللاتينية.. الحرب التجارية والاقتصاد الأخضر

ترجمة: عناية ناصر

عن غلوبال تايمز 20/2/2019

الحرب التجارية التي تشنّها واشنطن على العالم، بفرضها تعريفات إضافية على وارداتها، وانفتاح الصين على أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، سينعكس كما تؤكد المعطيات، إيجاباً على القارة اللاتينية.

الخبر السار بالنسبة لأمريكا اللاتينية هو أن الصادرات ازدادت بنسبة 9.9 في المائة في عام 2018. والخبر السيئ هو أنها نمت بمعدل أقل من عام 2017 (عندما وصلت إلى نسبة 12.2 في المائة)، وأن التوقعات الكبيرة المتوخاة في أوائل عام 2018 لم تتحقّق في نهاية المطاف.

وكما يشير تقرير صدر مؤخراً عن بنك التنمية للبلدان الأمريكية، فإن تقديرات اتجاهات التجارة في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي لعام 2019 تشير إلى تباطؤ نمو الصادرات إلى 2 في المائة
(عن الـ 4 في المائة في عام 2017).

ومع ذلك، فإن الوجهة الأسرع نمواً لصادرات أمريكا اللاتينية لا تزال هي الصين، التي نمت صادرات أمريكا اللاتينية إليها بنسبة 24.2 في المائة، لكن ما هو الأثر المحتمل للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على أمريكا اللاتينية؟.

القاعدة العامة، بطبيعة الحال، هي أن الحروب التجارية مشروعات خاسرة. ومع ذلك، وكما أشارت اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (ECLAC)، فإن زيادة التعريفات المطبّقة من قبل الولايات المتحدة على المنتجات الصينيّة مثل السيارات والمنسوجات والمواد المعدنية، قد تفيد المكسيك وبعض دول أمريكا الوسطى، نظراً للوصول التفضيلي إلى السوق الأمريكية والقرب الجغرافي. من ناحية أخرى، فإن التعريفات الجمركية التي تفرضها الصين على المواد الغذائية الأمريكية، تفتح المجال أمام المنتجين الزراعيين في أمريكا الجنوبية، ليس فقط من قبل عمالقة أمريكا الجنوبية، أي البرازيل والأرجنتين وحدهما، بل أيضاً من  تشيلي وبيرو وأوروغواي في الوصول إلى السوق الصينية، ويمكن للبلدان التي وقعت على اتفاقيات التجارة الحرة مع الصين، مثل تشيلي وكوستاريكا وبيرو، أن تستفيد إلى أقصى حدّ من هذا.

وإلى جانب التوترات التجارية الحالية وتقلبات العرض، هناك قضية مهمّة لفتت انتباه اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في تقرير حديث هي المعادن والفلزات. وتعدّ هذه واحدة من أهم الأصول في المنطقة، وتندرج نحو 20 في المائة من صادرات المنطقة ضمن هذه الفئة. وبالمقابل، أصبحت الصين أهم مستورد للمعادن والفلزات. إن جزءاً من النمو الهائل الذي رأيناه في التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في هذا القرن (زيادة قدرها 30 مرة من عام 2000 إلى عام 2018) كان سببه الطلب الصيني على هذه الموارد التي تتصف المنطقة بغناها بها.

حتى الآن الأمور جيدة جداً، لكن المشكلة تبدأ عندما  نخوض أعمق في البيانات. والقضية هي أن حصة المواد الخام، المعادن والفلزات، من الصادرات الإقليمية ازدادت باطراد على مدى العقدين الماضيين، من 20 إلى 37 في المائة، في حين انخفضت نسبة المنتجات شبه المصنّعة والمعالجة، فحتى تلك العناصر الأساسية مثل الأسلاك والأنابيب والمنتجات المغلفة وما إلى ذلك، انخفضت بشكل كبير في نسبتها من إجمالي صادرات المعادن. وهذا يعني، من جميع النواحي، تراجع التصنيع.
ومع ذلك، هناك الآن فرصة لتغيير ذلك وإعطاء زخم جديد للتصنيع في أمريكا اللاتينية.

يجري التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر، وسيتطلّب ذلك الاستخدام الكبير من المعادن والفلزات الموجودة في المنطقة. وبالطبع، يعتبر الليثيوم، وهو مكوّن أساسي لبطاريات السيارات، مثالاً على ذلك. وتمتلك الأرجنتين وبوليفيا ، وتشيلي ، وبيرو نسبة كبيرة من احتياطيات الليثيوم العالمية. والصين هي أكبر منتج للسيارات الكهربائية في العالم، وقد كان النمط القائم، حتى الآن، هو تصدير كربونات الليثيوم بشكل خام.

لقد آن الأوان للتحوّل إلى نموذج مختلف، نموذج يسمح بزيادة القيمة المضافة في المنطقة، بما في ذلك حالة تشيلي، التي ليس لديها فقط رواسب كبيرة من الليثيوم، ولكن من النحاس (المستخدم في المركبات الإلكترونية)، وهو ما يشكّل نموذجاً للفرص المتاحة لمثل هذا النهج.

اشترت الشركة الصينية، تيانكي، مؤخراً 25 في المائة من شركة أس كيو أم، أكبر منتج لليثيوم في تشيلي، مقابل 4.3 مليارات دولار، في أكبر صفقة في بورصة سانتياغو في عام 2018. لقد حان الوقت للابتعاد عن اتجاه تراجع التصنيع والبدء بنشاط اقتصادي جديد بالكامل، له صلة بالنقل الإلكتروني والطاقة الخضراء. تمتلك شركة ألبيمارل الأمريكية أيضاً نسبة كبيرة في إنتاج الليثيوم في تشيلي، وينبغي أن تكون لديها مصلحة في تعزيز مثل هذا المشروع. وفي المقابل، إذا أعطت الشركات الصينية زخماً له، فإن ذلك سيستلزم انفراجاً كبيراً في العلاقة المشحونة بين قطاع التعدين والمعادن في المنطقة والصناعة الصينية، وسيكون له انعكاسات محتملة على امتداد القارة.