دراساتصحيفة البعث

إيران وأمريكا وسياسة شفير الهاوية

 

الدكتور سليم بركات
بدأت حملة ترامب شديد اللهجة على الاتفاق النووي الإيراني الذي توصلت إليه إدارة الرئيس أوباما منذ حملته الانتخابية الرئاسية التي أوصلته إلى البيت الأبيض، حيث وصف هذا الاتفاق بأنه أسوأ اتفاق جرى التفاوض عليه، ولقد لقي هذا التصعيد على لسان ترامب الترحيب والتشجيع من قبل “إسرائيل” وعدد من دول المنطقة، تأتي في طليعتها السعودية ومن يدور في فلكها من دول الخليج، اتفاق عبر عنه بنيامين نتنياهو في كلمة ألقاها في آذار 2015 عقب التوصل إلى هذا الاتفاق بين 5+1 وإيران، قائلاً: “إن العالم إذا كان حريصاً على أن تكون إيران جزءاً من المجتمع الدولي، فلا بد من ضمان ألا تكون مصدراً للإرهاب والرعب لجيرانها وللعالم بأسره”. ولقد تبنى الرئيس الأمريكي ترامب بعد فوزه بالرئاسة هذا القول، لبنيامين نتنياهو
وأعلن على صفحته “التويتر” قائلاً:”إن الإيرانيين بلعبون بالنار، ولم يقدّروا معاملة باراك أوباما الطيبة لهم”، ولقد مهد الإعلام الأمريكي ومن يدور في فلكه لهذا الإعلان الترامبي بالتصعيد السياسي والاقتصادي في مواجهة إيران، معتبراً إياه خطوة أولية للردّ على سلوك إيران الذي وصفه ترامب بالاستفزازي كما وصف إيران بأنها دولة راعية للإرهاب، وليس من المناسب غض النظر عن سلوكها.
هذا الموقف الأمريكي لم يأتِ من فراغ، وإنما أتى نتيجة لمشاورات واتفاقيات مع حلفائها في المنطقة، لعزل إيران سياسياً، واقتصادياً، ودبلوماسياً، تمهيداً لإعلان ترامب في 8/5/2018 انسحاب أمريكا من هذا الاتفاق، ورافق هذا الإلغاء التهديد بفرض عقوبات جائرة على إيران إذا لم تفاوض على اتفاق جديد بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ضارباً عرض الحائط بكل قوانين الشرعية الدولية، وبكل القيم الأخلاقية. أعلن ذلك وهو يستشهد بمنشورات إسرائيلية اعتبرها أدلة قاطعة تثبت أن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي، قد لا تستطيع أمريكا منعها من الحصول عليه مستقبلاً.
من هذا المنطلق نستطيع القول إن التصعيد الأمريكي ضد إيران، وباقي محور المقاومة يمثل اليوم جوهر الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية القديم الجديد، أكان ذلك بالخروج من الاتفاق النووي، أم كان ذلك في إطار المطالب والتهديدات التي تهدف إلى محاصرة الدور الإيراني على مستوى المنطقة، لإخراج إيران منه، وقطع التواصل بينها وبين دول المنطقة، وفي الطليعة حلفاؤها من دول محور المقاومة، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا التصعيد قد أتى متزامناً مع الإعلان عن صفقة القرن المعدة لتصفية القضية الفلسطينية دون أية مقاومة، وهذا لا يكون إلا من خلال إشغال الوطن العربي بالصراع مع إيران، إرضاءً لإسرائيل ومن يغرد في سربها، صفقة مدعومة أمريكياً وصهيونياً، وخليجياً تحتاج إلى كشف علامات الاستفهام فيها على مستوى المنطقة والعالم، ولاسيما على المستوى الأوروبي المموه للموقف الأمريكي من أجل تمريره، والذي يتظاهر في متابعة التعاون مع إيران، بينما هو في حقيقته غير ذلك، إنه يخدم الموقف الأمريكي من إيران، بالضغط عليها للقبول باتفاقيات وتسويات جديدة.
كل الدلائل تشير إلى أن المنطقة قد أصبحت على شفا حرب، نتيجة الجو التصعيدي المستمر الذي أوجده تاجر البيت الأبيض “ترامب” والذي بلغ الذروة في قراره بأن تكون القدس عاصمة للدولة اليهودية المزعومة، ومن ثم قراره بضم الجولان للكيان الصهيوني، وبالتالي سيكون قرار ضمّ الضفة الغربية، والحبل على الجرار. وكل هذا وغيره ليس أكثر من محاولة للنيل من الموقف المبدئي للثورة الإسلامية الإيرانية تجاه القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، هذا الموقف الذي كان ومازال إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، منذ قيامها وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضها على إيران وسورية، وعلى كل دولة لا تأتمر بالأوامر الأمريكية، والدليل مواقفها اللاأخلاقية الممارسة على الدولة الفنزويلية وغيرها من دول العالم.
لقد وضع “ترامب” في سياسته هذه حالة الحرب والسلم على صعيد المنطقة في نقطة الصفر، الأمر الذي جعل الكثير من المحللين السياسيين يستبعد ذهابه بعيداً في تهديداته لإيران من منطلق أنه جبان عندما يتعلق الأمر بالإقدام على توريط الجيش الأمريكي، وبالتالي الشعب الأمريكي بحرب عسكرية ميدانية مفتوحة الآفاق، ومن الصعب التحكم بها، فيما يرى البعض الآخر أنه سيبقى مستمراً بحربه الاقتصادية التي تدر عليه ملايين الدولارات، ويتحكم بإدارتها طالما تسمح له الظروف بذلك. ومع كل هذا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن فرص الحرب في المنطقة قد أصبحت متزايدة، وهي في المرحلة التي قد تشهد صيفاً حامياً ولاسيما بعد وصول “نتنياهو” إلى السلطة من جديد بمساعدة “ترامب” الذي بذل كل ما يستطيع من جهد من أجل ذلك، نقول هذا ونحن نعتقد أن وصول نتنياهو إلى السلطة أو عدمه، لا يشكل عنصراً حاسماً بموضوع أي حرب مستقبلية على صعيد المنطقة، لكن مثل هذا القول لا ينفي من أن تكون الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية قد اتفقتا على ذلك، وما من شك أن عودة “نتنياهو” بما رافقها من ملفات غير أخلاقية، ستسرع الأمور باتجاه الحرب، وقد تورط الولايات المتحدة الأمريكية فيها بإرادتها أو رغماً عنها.
بعد التصنيف الأمريكي للحرس الثوري الإيراني ووضعه في خانة الإرهاب، وقبل ذلك حزب الله، تسربت أنباء مفادها أن إيران قد باتت خارج أي التزامات سابقة تتعلق برسم قواعد حدود الاشتباك مع القوات الأمريكية الموجودة في الجزيرة السورية، وأن القناة التي كانت تنظم هذه العلاقة لم تعد قائمة، وهذا يعني أن الأمور العسكرية في هذه المنطقة قد أصبحت دون ضوابط، وأن القوات الأمريكية الموجودة في هذه المنطقة في 52 قاعدة قد أصبحت مستهدفة، وهذا يعني أن القرار الترامبي المتهور قد يرفع من منسوب المخاطر إلى درجة تجعل من الجنود الأمريكيين مجرد دريئة رماية يتحمل ترامب مسؤولية التدريب عليها، كما يعني أن الخطوة التالية باتجاه الحرب قد أصبحت جاهزة، وأن الأمر لم يعد يحتاج إلى قرار، فالقرار متخذ ولم يبقَ سوى تحديد ساعة الصفر، وهذا لا يعني أن الخطوة المقررة ستكون محصورة بساحة معينة، وإنما بكل الساحات التي تتحرك عليها المقاومة، ويتحرك عليها محور المقاومة من إيران إلى فلسطين عبر العراق وسورية ولبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ما موقف المجموعات الإرهابية المسلحة من هذا التصعيد الأمريكي، هل ستعيد النظر هذه المجموعات في مواقفها، وتبحث عن خيارات جديدة من أجل مواجهة المرحلة القادمة؟ للإجابة عن هذا السؤال تفيد المعطيات انقسام هذه المجموعات على بعضها كلما اشتدت المواجهة، وليس مستغرباً أن تقاتل المجموعات الإرهابية المسلحة إلى جانب إسرائيل، والسعودية، ومن لف لفهما بقيادة أمريكية، وأن يشمل ذلك المجالات العسكرية، والسياسية، والإعلامية في مواجهة إيران وباقي محور المقاومة.
بقي أن نقول إن المنطقة إذاً باتجاه الحرب وبانتظار الشرارة التي قد تنطلق إما من مضيق هرمز في حال أقدم ترامب على محاصرة إيران، وإما من أي دولة من دول محور المقاومة، إذا ما تعرض الحرس الثوري الإيراني وحزب الله إلى عدوان أمريكي جديد أكان هذا العدوان بشكل مباشر على مناطق وجود المقاومة في دول محور المقاومة، أم كان ذلك عبر حدود إيران مع أفغانستان أو باكستان، وفي كل الأحوال لن تكون هذه الحرب إذا ما اندلعت محصورة بحدود معينة، إنما ستطال المنطقة بكاملها؛ لأن أي حرب من هذا النوع ستشن على طرف من أطراف المقاومة، ستواجه بكل طاقات محور المقاومة مجتمعة، حرب قد تعرف بدايتها ولكن لا يعرف كيف وأين تنتهي.