زواياصحيفة البعثمحليات

“يسرحون ويمرحون”!

لا يبدد إقرار مجلس الوزراء “وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد” ضمن برامج مادية وزمنية محددة المخاوف من تجذر الكثير من الحالات التي من الصعب اقتلاعها بوثيقة أو بمجرد مصفوفات ورقية غير نافعة أو فاعلة على صعيد الواقع، ويجب الانتباه إلى أن ما يمكن تسميتها عملية تنظيف العمل الوظيفي وتطهير المؤسسات هي معضلة حقيقية بعد أن أضاعت هذه الكلمة بوصلتها باتجاه أرض الواقع وباتت مصطلحاً فضفاضاً دون أي فاعلية في الكثير من المجالات؛ فالجميع يطبل ويزمر في هذا المضمار، ولكن لم يصل أحد إلى خط النهاية، ولازالت الكثير من الملفات مفتوحة، بل بعضها سجل في خانة المجهول الذي لا يستطيع أحد تحديد هويته.
وما يثير القلق أكثر غياب الركيزة الأساسية في هذا التوجه الذي على ما يبدو لديه نفس أعراض التوحد المرضي حيث تعمل كل جهة بمعزل عن الأخرى، بل هناك حالة عدائية مسيطرة على طبيعة العلاقة الرقابية التي تربط بينها داخل المجتمع، إذ يسود التوتر والاضطراب الذهني غير المسؤول، وتغيب المحاسبة لتسود المساءلة الخلبية التي لم تدفع بأي ملف إلى الآن في الطريق الصحيح، فقد تم تغيير الأشخاص واستبدالهم بآخرين، إلا أن الأمور لم تبقَ على حالها فقط بل ازدادت سوءاً، خاصة بعد فرار الكثير من المخالفين والفاسدين من أنشوطة المساءلة التي تضيق وتتسع وفق مزاجية البعض الذين يشكلون مظلات حماية حقيقية للفساد الذي يستظل به الكثيرون سواء المديرون العامون، أو من أولئك الذين يعتلون الكراسي على مختلف مستوياتها وحسب تبعيتهم وولاءاتهم الشخصية بعيداً عن المصلحة الوطنية.
وبالعودة إلى الواقع نتساءل بكل جدية.. ألم يحن الوقت لتقديم دفعة من المفسدين إلى ميدان المحاسبة والمساءلة الحقيقية، وبشكل يجيب على الكثير من التساؤلات التي تسيطر على الشارع السوري بهواجسه المختلفة حول المستقبل وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية، وما هو الهدف من استمرار عمليات التجميل التي تمارسها الكثير من الجهات المعنية لإخفاء فشلها وتجاوزاتها والتستر على أولئك الذين يسرحون ويمرحون، ويتلذذون بالمال العام أثناء وجودهم على رأس عملهم وبعد تحيدهم بطريقة هوليودية من على مسرح الفساد في الوقت الذي يحتاج فيه بلدنا إلى إسقاط كافة الأقنعة التي تخفي الكثير من الحقائق الموجعة لاقتصادنا الوطني ولحياة مواطننا.
ولاشك في أن ما حدث ويحدث على جبهة التطهير والتنظيف يحتاج إلى الكثير من المراجعة والتدقيق نظراً لعدم اقتران النوايا الإصلاحية بالعمل الإصلاحي الحقيقي الذي لم يتخطَّ حدود التنظير الورقي والأفكار المدونة في سجل الفساد بصفحاته الملونة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وتربوياً وحتى أخلاقياً، ويمكن القول إن السنوات الماضية شهدت حالة من إفساد عمليات استئصال الأورام الخبيثة وتغيير في مسار العلاج الوقائي، بل هناك من جرد السلطة الرقابية من جميع صلاحياتها وحولها إلى مجرد فزاعة في حقول الوطن العامرة…
بشير فرزان