أخبارصحيفة البعث

انسحابات ترامب.. حرب باردة جديدة

منذ وصوله إلى البيت الأبيض اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارات مثيرة للجدل على المستويات الدولية، سواء مع الخصوم والمنافسين أو مع الحلفاء. فقد انسحب من “الاتفاق النووي الإيراني” و”اتفاقية باريس للمناخ” و”مجلس حقوق الإنسان” و”اليونسكو” و”معاهدة التجارة الحرة في المحيط الهادي”، وهدد بالانسحاب من أخرى، وفرض عقوبات على روسيا وإيران والصين وسورية وفنزويلا وكوريا الديمقراطية، وغيرها من الدول لدرجة دفعت المراقبين للقول بأن أمريكا تنقلب على ذاتها، وتتفلت من التزاماتها، وتحاول أخذ العالم نحو حالة عدم يقين جديدة.

ومنذ أيام قدّم ترامب دليلاً على هذا النهج، من خلال انسحاب واشنطن الرسمي من المعاهدة الدولية لحظر الصواريخ النووية متوسطة المدى مع موسكو، وتحت ذريعة انتهاك روسيا شروط المعاهدة، وزعم وزير الخارجية مايك بومبيو أن “عدم التزام روسيا بالمعاهدة يهدد المصالح الأمريكية العليا، وأن روسيا تعمل على تطوير أنظمة صواريخ تنتهك المعاهدة، وتنشرها بشكل يهدد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وشركاءها، وقد تزامن كلام بومبيو مع حديث وزير الدفاع مارك إسبر عن نشر صواريخ متوسطة المدى في اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية بهدف تهديد الصين، وأن نشرها سيتم خلال الشهور القادمة.

وقد نفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتهامات الأمريكية، وقال في بيان: إذا حصلت روسيا على معلومات بأن الولايات المتحدة تطور صواريخ جديدة، فإن روسيا ستكون مجبرة على بدء تطوير واسع لصواريخ مماثلة، وتابع: لن ننشر تلك الصواريخ في مناطق معينة إلا بعد أن يتم نشر صواريخ أمريكية هناك، ومع ذلك لن نتخلى عن الالتزامات أحادية الجانب التي أخذناها على عاتقتنا، وأن كل خطواتنا ستحمل صفة الرد بالمثل.

ويبدو أن الانسحاب الأمريكي هو لأسباب أخرى أكثر من مجرد سباق تسلح أو مخالفة لاتفاقية بعينها، إذ يحلم ترامب بأن تكون بلاده هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم، فالمعاهدة كانت تمنعه من تثبيت صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بالقرب من الأراضي الصينية، والتي يسعى من خلالها لأن تكون وسيلة للضغط ضد عدوه التجاري، ولأن الرئيس ترامب قال قبيل الانسحاب من الاتفاق: آمل بالتوصل إلى اتفاقية جديدة تشمل الصين أيضاً لتحل مكان المعاهدة”، وصرّح علناً بأن ترسانة بلاده النووية ستكون الأكثر تفوقاً، معتبراً أن معاهدة ستارت للحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة بين واشنطن وموسكو عام 2010 هي اتفاق سيئ آخر، وأن انسحابه منها يشبه انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، لذلك يحشد كل هذه القوة إلى مياه الخليج العربي لاستفزاز طهران وجرجرتها إلى صفقة أفضل، كما يتحدث ويأمل.

بناء على ذلك، هل يسعى ترامب إلى نسف الاتفاقيات أم أنه يحاول إعادة  التفاوض للتوصل إلى اتفاقيات أخرى تضمن له المزيد من الترسانة النووية؟. الواقع أنه إذا باشرت الإدارة الأمريكية بنشر هذه المنظومات من الصواريخ بالقرب من الحدود الروسية أو الصينية، فإنها تقوّض الأمن ليس في أوروبا فحسب، بل في العالم أجمع، وهذه الخطوة تعد مؤشراً على بدء حرب باردة جديدة ثلاثية الأبعاد بدخول بكين طرفاً فيها، ما يهدد السلم والاستقرار العالمي.

صلاح الدين إبراهيم