ثقافةصحيفة البعث

فضيحة إفرنجية

 

تحتفل فتحية باليوبيل النحاسي لعيد زواجها من سريع الذي أصيب بالزهايمر قبل نحو عام، لكنها لا تعطِ العيد حقه خوفاً من ثرثرة جارتها مهدية التي لعبت دوراً كبيراً في سلوكيات فتحية الغريبة، وما كان من مهدية إلا أن باعت كل ما لديها من حلي وأوانٍ منزلية في سبيل البحث عن زوج يقتنع بها وبأفكارها الجهنمية حول إدارة المجتمع وتطلعاتها الخارقة باتجاه بلورة الأمور وجعلها أكثر عنفاً وعدائية، فلم تكن تشتري الملابس على سبيل المثال أو أن تقوم باجراء عملية تجميل أو ما شابه من الأمور التي يقمن بها النساء للفت النظر.. كانت تشتري الكثير من اللحم والدهن والزبدة الحيوانية وتقوم بطهي هذه المواد مجتمعة إلى أن تحترق وتفوح رائحة الشواط في المبنى كله، وقد تصل إلى المباني المجاورة، فيعلم القاصي والداني أن مهدية تنصب فخاً لأحد الرجال ضعيفي النفس لتستدرجه بروائح الطعام الغني بالدسم والشحوم.
سيرة مهدية على كل لسان، فمنهم من يصفها بالسفيهة ومنهم من يعتبر أن كل هذه الحيل هي مجرد مضيعة للوقت وأن مهدية تستحق الشفقة وبعض الإهتمام الذي قد ينقذها من الأسوأ، لكن السؤال: ما هو الأسوأ..؟ وعلى اعتبار أنها لا تحتمل الأجواء العائلية التي يغلب عليها الطمأنينة وراحة البال، فقد عمدت الى تكريس كل خبراتها للإيقاع بفتحية وجرها الى معركة وسط الشارع المزدحم دون أن تشعر تلك الطيبة بوجود مكيدة تحاك لها طيلة أسبوع كامل، فعمدت مهدية إلى قطع المياه ومن ثم رمي القمامة أمام بابها، وتحطيم زجاج النافذة الخلفية للمنزل، مما جعل فتحية تشك بشكل قاطع بجارتها ابتهاج التي رفضت اتهامات فتحية المتكررة، وامتناعها عن تبرير اي تصرف مما سنح لمهدية العبث أكثر فأكثر، إلى أن التقت الجارتان في الشارع وبدأ الردح والنواح يعلو شيئاً فشيئاً الى أن تدخل المارة و فكوا النزاع.
جارنا مدحت ليس همّاً، لكنه وبنفس الوقت كان البيئة المثالية لتربية فضيحة محكمة قد تودي بفتحية نهائياً، لقد أنهت مهدية فنجان القهوة على عجل وتطرقت للحديث الذي جاء بها من شرق المدينة تحت أشعة الشمس، حيث وصلت الى مكتب عبد المحسن.
“صدقني إن سمعتها ملوثة جداً، لكنها تعاني من بعض الاضطرابات التي تمنعها من الزواج، لذا أرجوك تقديم المساعدة لها ولو مادياً كي تشعر ببعض الامتنان في هذا الوقت السيء، وقد يلحق بك رزق ما..”.
وافق عبد المحسن تاجر الزيوت على طلب مهدية وأرسل أحد صبيته الى العنوان الذي زودته به حيث طرق الباب وفتح السيد مدحت وقد ناوله المبلغ وقال الصانع بالحرف هذا للسيدة فتحية لقاء أتعابها، وهذا ما أكدته مهدية بطلبها كي لا تشعر بالحرج.
انتشر الخبر سريعاً في الحي.. لقد كان منزل مدحت وليس فتحية، وقيل في وقتها أن فتحية بدأت تتعرض للمضايقات والتحرش الزائد بعد أن علم الجميع أنها من مخلفات عبد المحسن المعروف بأنه قواد قديم.
باعت فتحية المنزل بربع قيمته على عجل خوفاً من تفاقم الأمر وخصوصاً بعد أن قرأت تهديدات مفادها أن رجال الحي الشرفاء سيشتكون للشرطة قريباً، وكان ذلك بتدبير من مهدية ذات نفسها.
اشترت مهدية المنزل عبر وسيط، وامتد سلطانها في كل الإتجاهات بعد أن تجردت من كل إنسانيتها ورغباتها حتى البسيطة منها، أما فتحية فبات شغلها الشاغل هو الدفاع عن كرامتها التي مسحت الأرض بها ولو بعيداً عن الحي القديم، فشبح مهدية يلاحق كل ثانية من حياتها إلى أن تموت.
يقول الدكتور م.ع أن حالة مهدية ليست نادرة وهو مرض شائع ينتشر بين معظم فاقدي الود والحياة البشرية المتعارف عليها كالاهتمام والحب والرعاية بغير أجر وباقي النشاطات التي تمارس بشكل طبيعي، إلا أن مهدية تعالت على شهواتها الطبيعية ورفضتها وانقضت على الأصحاء كي تجبرهم على اتخاذ موقف مشابه لما قامت به إيماناً منها بأن مسيرتها يجب أن تدرّس.
المثنى علوش