ثقافةصحيفة البعث

“من وحي تدمر”.. منحوتات خزفية على شكل لوحات معلقة

 

 

تدمر والحالة الإنسانية والدراويش والأشياء الطبيعة الصغيرة والأرابيسك والعجمي شكلت معرضاً مميزاً للفنانة رانيا معصراني تحت عنوان “من وحي تدمر” التي حاولت عكس مدى تأثرها بمدينة الشمس من خلال تقديم منحوتات مصنوعة من الطين المشوي دون استخدام الألوان، معتمدة على الظل والنور في الإضاءة ليتحكم بلون الصلصال ويعطي جمالية للمنحوتة.
لم تعتمد عازفة الكمان رانيا على النسخ للبورتريه التدمري وإنما أعادت تشكيل عناصره من خلال إحساسها ومشاعرها لهذه المدينة العظيمة، واستطاعت أن تظهر الموسيقى في حركة المنحوتات التي قدمتها وإعطائها القدرة التعبيرية وهذا إنجاز بحد ذاته.

لمسة أنثوية
أقيم معرض “من وحي تدمر” في دار الأوبرا، وعن المنحوتات المعلقة على حامل يشبه عمل الروليف قالت معاون وزير الثقافة سناء الشوا: أضاء المعرض على بعض التفاصيل في التاريخ والتراث من وحي تدمر العظيمة التي انتصرت ونهضت وقاومت، والمعرض اليوم هو بمثابة توثيق لتاريخها العظيم بكل ما فيه من زخارف وتيجان وآثار، وشكل من أشكال تكريس عودة تدمر إلى الوطن، وقد استوحت الفنانة شيئاً من الأنثى وهي واضحة في اللوحات، فهناك لمسة أنثوية بحتة في كل التفاصيل والمنمنمات والقلادات والتزيين والتفاصيل الدقيقة في اللوحة. في الواقع، يختلف المعرض عن باقي المعارض كونه نحتياً ولكنه بشكل لوحات جدارية، وتميز خط الفنانة بوضوحه، وهو رسالة للجميع عن تدمر العظيمة والصامدة.

تدمر الحضارة
درست الفنانة رانيا الموسيقى في المؤسسات السورية الأكاديمية منذ طفولتها، واختصت بآلة الكمان وكانت من العازفين المؤسسين في الفرقة السيمفونية السورية، خلال ذلك تعلمت الرسم عند فنانين سوريين معروفين، وعن معرضها “من وحي تدمر” قالت رانيا معصراني:
معظم أعمال المعرض من وحي تدمر، وقد حملت الاسم نفسه “من وحي تدمر”، مثل الكاتب الذي يكتب قصصاً متنوعة وفي النهاية يضع عنواناً لأكثر قصة أعجبته، وأنا بدوري اخترت تدمر إلى جانب لوحات المولوية والعجمي وأشياء أخرى.
خلال فترة الحرب تبحرت كثيراً في النقوش والآثار التدمرية ورأيت النساء التدمريات وطريقة عيشهن في عصر الرخاء، فقد رأيت الحلي والتزيين وأحسست بجماليته -ولا يمكن مقارنته بما يوجد الآن-، واستوحيت الحلي من نساء تدمر وصنعت وجوهاً ليست مثل وجوههن القاسية وإنما كونتها بطريقتي وإحساسي اتجاهها لكي لا تكون نسخاً عن الموجود، وقد اكتشفت من خلال العمل والتفاصيل كمية الجمال والدقة والفن في هذا النحت.
وعن المواد المستخدمة في المنحوتات قالت: لقد استخدمت الطين الذي يشوى ويتحول إلى خزف، وعجينة الخزف استعملتها وأبقيتها على لونها الطبيعي، وعن المولوية اعتمدت على الطقوس الرمضانية وخيمة رمضان التي كانت موجودة في حديقة السبكي وأخذت حركات ولقطات معينة ونحتتها من الطين، أما الجزء الأخير هو العجمي أي الخشب النافر من التراث المستخدم في أسقف البيوت ووظفته بطريقتين وقدمت شجرة نخل.
وفي الختام عبرت عن مدى سعادتها بإقامة المعرض في دار الأوبرا، حيث قالت: هذه الدار فيها روحي، فأنا عازفة كمان وخريجة المعهد العالي للموسيقا، وهذا الصرح عاصرت كل مراحل تأسيسه وله مكانة خاصة في قلبي.

التأثير الروحي
ويتجسد الحس بالمسؤولية بأبهى صوره وأشكاله في أعمال المعرض، وبدورها قالت والدة الفنانة د.ناديا خوست: تعتمد رانيا على التراث الوطني والحضاري، وأعمالها تتجه نحو التجسيد، في زمن أصبح فيه النحت يقتصر على الرموز نظراً للخلفيات والاعتبارات الدينية الخاطئة، وهذا ما أعجبني في المعرض.
في الواقع، أثرت تدمر على الجميع، وأثرت على الفنانة رانيا كونها زارت تدمر في طفولتها عدة مرات، وبعد تحريرها في هذه الحرب، فكان لها هذا التأثير الروحي الذي ركزت عليه من خلال أعمالها التدمرية والحضارة السورية المتمثلة بالعجمي الذي يعتبر جزءاً منها.
جمان بركات