اقتصادصحيفة البعث

بين التخلي عن دوره المطلوب وتأقلمه مع الواقع.. قطاع التأمين على خُطا إيجاد حلول بديلة للحظر الاقتصادي ويؤسس لمجمع شركات إعادة التأمين

تراودنا في كثير من الأحيان ضمن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، أسباب تخلي بعض القطاعات المهمة عن دورها الاقتصادي الذي يفترض أن يمثل رافداً صلباً يعزز قدرة الاقتصاد الوطني، ولاسيما تلك القطاعات التي تمتاز بوجود ملاءة مالية كبيرة قادرة على الإسهام في نهوض الاقتصاد ودعمه، كقطاع التأمين حيث يحتل مكانة بارزة في الدورة الاقتصادية في الدول المتقدمة ويساهم بشكل أو بآخر في رفع الناتج الوطني والحدّ من التضخم، ولكن يبدو أن قطاعنا التأميني ينأى بنفسه عن واقع الاقتصاد الوطني وعن دوره المأمول، وهيئة الإشراف على التأمين حاولت توضيح طبيعة هذا القطاع وآلية عمله ودحض بعده عن المتغيرات الاقتصادية ودوره المهم في حماية الاقتصاد السوري.

حماية وضمان
لا شك أن قطاع التأمين يتصدر مكانة مهمة في الدورة الاقتصادية، حيث يوفر الحماية الكاملة لها كيلا يصيبها التوقف في أية مرحلة من مراحل الإنتاج، وغياب التأمين يعني تعطيل رأس المال وتوقف التمويل الذي يمثل أهم أسس استمرار المشاريع، ما ينتج عنه تدهور الاقتصاد وازدياد البطالة، وبالتالي وجوده يؤمّن استمرارية الدورة الاقتصادية دون خوف بداية من عملية الاستيراد أي من منبع المنتج وبلد المنشأ والمادة الأولية مروراً بعمليات النقل البحري والبري والجوي، وصولاً إلى الدخول في دورة الإنتاج والتسويق والبيع، حيث ترتبط العملية بوجود التأمين الذي يرافق مراحلها، كما يدعم التأمين مسار تطوير وحداثة الآلات الصناعية، ويبيّن مدير هيئة الإشراف على التأمين المهندس سامر العش أن التأمين يوفر تطوير آلات العمل من خلال التعويض عند الخطر في المنشآت المؤمنة وذلك عبر شراء آلات بديلة محدثة حكماً بقيمة التعويض -إلا في بعض الحالات التي تتضمن فرقاً كبيراً في الأسعار يدفعه صاحب المنشأة- كما يغطي التأمين فترات توقّف عن العمل وتوقف الأرباح، إضافة إلى حماية الموظفين داخل المنشأة حيث يعزّز تضاعف الحمايات والتغطيات التأمينية من انتماء الموظفين للمنشأة، ويلعب دوراً مهماً في توفر شروط السلامة المهنية للمنشآت ويشترط وجود معايير عالية من أساليب الحماية ضد المخاطر.
وحاول العش توضيح دور التأمين ومساهمته في زيادة النشاط الاستثماري الخارجي، حيث يطوّر التجارة الخارجية مع الدول الأخرى من خلال تعزيز الحماية للبضائع العابرة بين البلدان التي تعزز هذا النشاط وتزيده، وبالتالي يحسن الواقع الاقتصادي ويخلق سوقاً جاذباً وآمناً للاستثمار الخارجي ورؤوس الأموال، كما يساهم في تسهيل الائتمان سواء عبر التأمين على المنشآت أم على حياة الأفراد لضمان حقوق المصرف، وبالتالي يلعب دوراً مهماً في نهوض الاقتصاد عبر منح قروض ذات مخاطر محدودة جداً، مبيناً أنها مطبقة بنسبة 50% في مجمل القروض.
وعلى اعتبار أن التأمين لاعب أساسي في الحدّ من التضخم، اعتبر العش أن التأمين يساهم في ذلك من خلال التسعير حيث لم يواكب التأمين ارتفاع الأسعار، فقد طرأت ارتفاعات طفيفة سواء لجهة العقود أو الخدمات لكنه لم يتماشَ مع تيار التضخم بدليل ظهور بعض الخسائر في بعض شركات التأمين على الرغم من ارتفاع نسبة النفقات وارتباط قيمة التعويض بنسب التضخم، وبالتالي يكبح عملية التضخم بالعمل وفق مبدأ الاستمرار وليس الربح، ويعمل بالتوازي عبر تجميع المدخرات الشخصية التي تغيّر النمط الاستهلاكي وتحفظ المدخرات من خلال دخولها في العمليات الاستثمارية كأرباح فردية في بعض أنواع التأمين، أو خلق تأمينات صغيرة تحمي المدّخرات الشخصية بأقساط مناسبة.

تقصير ولكن
تراجع دور شركات التأمين في رفد الاقتصاد الوطني عبر الاستثمار كان واضحاً خلال سنوات الأزمة، ولكن العش عزا السبب إلى أنه وضمن الواقع الحالي كان توجه قطاع التأمين لضمان الاستمرارية من خلال حماية رأس المال، إلا أنه عاد ليؤكد أن هذا الواقع خلق نوعاً من الكسل التسويقي عندما تباطأت العملية الاستثمارية، ولذلك توجب على الهيئة تنشيط العمل التسويقي وتحفيزه عبر إيجاد جهات اعتبارية لتحفيز التسويق عبر شركات الوساطة والاتجاه لمسار التأمينات الصغيرة التي تنشط الاستثمار الكلي، وتناسب شريحة كبيرة من المجتمع من حيث القسط الصغير واعتماد الدفع الإلكتروني.

تفوّق تنظيمي
في مجال الصعوبات نفى العش وجود صعوبات أو إشكاليات باستثناء الحظر الاقتصادي المفروض، وما تعانيه شركات القطاع ما هو إلا منعكسات لهذا الحظر بدليل وجود نسب نمو عالية جداً قبل الأزمة حيث تضاعفت بدلات أقساط التأمين وحققت انتشاراً ملحوظاً، بل أكد وجود بيئة تنظيمية عالية تتفوق على البلدان العربية حيث لم تشهر أية شركة إفلاسها أو اهتز مركزها المالي خلال الأزمة، بينما شهدت عدة دول عربية إفلاساً لشركات سواء في حالة الحرب أم السلم، أما بعض الإشكاليات الداخلية كضعف الأداء وتسرّب الخبرات الفنية فقد اعتبرها العش ثغرات داخلية شكّلت خللاً جزئياً حاولت الهيئة تعويضه من خلال دورات تدريبية مستمرة وورشات عمل، ووضع 27 معياراً لتقييم أداء شركات التأمين سوف يتم إعلانها مباشرة في تقارير الهيئة للعام الحالي، لافتاً إلى أن الموضوع لم يعُد استنسابياً إن كان في المجال المالي أو الفني أو الإداري أو الاستثماري، بل صار معتمداً على أرقام وفق منعكسات ومعايير عالمية تطبق على جميع الشركات بما يتناسب مع الواقع السوري.
ولتعويض إشكالية الحظر الاقتصادي تسعى الهيئة إلى إحلال حلول بديلة وجذرية لتعزيز القدرة على الاستمرار بسوق التأمين، حيث يعرض حالياً على مجلس الإدارة قرار إنشاء مجمع شركات التأمين لتكون بمنزلة إعادة تأمين داخلي تعوّض عدم وجود شركات إعادة تأمين خارجي خلال النصف الأول من العام الحالي، كما يُنتظر ردّ من الجانب الإيراني لتنفيذ الاتفاقية الموقعة معه وذلك لإنشاء شركة تأمين مشتركة وشركة إعادة تأمين معاً، وهناك مناقشات لعقد اتفاقيات مع السوق التأمينية الروسية في القريب العاجل.
فاتن شنان