اقتصادصحيفة البعث

وفوراته سنوياً تتجاوز 22 مليار ليرة في محصول القمح هيئة البحوث الزراعية تنجز البيت الزجاجي الخاص بتهجين المحاصيل الاقتصادية

دمشق – محمد زكريا
تسعى هيئة البحوث العلمية الزراعية إلى ربط أبحاثها الزراعية بوسائل التكنولوجيا الحديثة بغية تحسين الإنتاج الزراعي النباتي، وتقليل تكاليف الإنتاج وتحسين النوعية والمحافظة على الموارد الطبيعية الزراعية، وتحقيق التنمية الزراعية المستدامة في ضوء المتغيرات المناخية وظروف الجفاف في سورية والمنطقة كلها، وحسب أحد المهندسين الزراعيين فإن ذلك لا يتحقق إلا من خلال الاعتماد على البحوث التطبيقية والحفاظ على الموارد الزراعية تحقيقاً لمبدأ الاستدامة وترشيد استخدام مدخلات الإنتاج، والحصول على أقصى إنتاج ممكن من الموارد المتاحة واستنباط أصناف متحملة للجفاف ومقاومة للأمراض، موضحاً وجود مشكلة تتعلق بكيفية توظيف واستثمار هذه الأبحاث على الأرض بشكل عملي يستفيد منه المزارع، منوهاً إلى أن الهيئة استطاعت خلال السنوات استنباط العديد من الأصناف الزراعية المحسّنة وتطويرها بشكل علمي، ومبيّناً أن الاعتماد على زراعة الأصناف المحسّنة يحقق عائداً إضافياً يقدّر بمليارات الليرات سنوياً.

بيت زجاجي
مدير عام هيئة البحوث العلمية الزراعية الدكتورة ماجدة مفلح بيّنت أنه تم العمل على تجهيز وإنشاء بيت زجاجي في مركز البحوث العلمية الزراعية بحلب وبمواصفات عالمية وبخبرات وطنية بشكل كامل. ومن المتوقع البدء باستثمار هذا المشروع ودخوله في نطاق العمل خلال النصف الثاني من العام الحالي، موضحة أن هذا البيت الزجاجي هو خاص بتهجين بعض المحاصيل الزراعية الاقتصادية، التي تعتمد في زراعتها وإنتاجها بشكل أساسي على استنباط الأصناف المحسّنة التي تكون في أغلبها عالية الإنتاج، مشيرة إلى أن هذه الأصناف المحسّنة يمكن أن تواجه المعوقات والعقبات الرئيسة التي تعترضها خلال مراحل نموّها المختلفة، على اعتبار أن الصنف المحسّن هو أحد أهم عناصر الإنتاج الزراعي، حيث يلعب الصنف الدور الأكبر في ثبات الإنتاج عبر المواسم المتصفة بعدم استقرار الظروف المناخية، كما أن زيادة الغلة مع المحافظة على النوعية أحد أهم الأهداف الضرورية والملحّة، ويحقق ذلك من خلال تحسين موارد الإنتاج والاعتماد على التقنية الحديثة.

22 مليار ليرة
وهنا لابد من الإشارة إلى وجود بعض الدراسات التي قامت بها الهيئة بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، خلال السنوات الماضية، حيث جرى خلال هذه الدراسات تقدير أولي لتأثير استخدام التكنولوجيا الحديثة في إنتاج محصول القمح في سورية والزيادة الطارئة في الدخل الوطني نتيجة استخدام هذه التقنيات، وحسب تلك الدراسات فإن الزيادة بلغت حوالي 22.3 مليار ليرة سورية سنوياً، ويمكن إرجاع حوالي 32% من هذه الزيادة إلى استخدام الأصناف المحسنة و18% إلى تأثير استخدام الأسمدة و27% إلى تأثير الري و23% إلى عوامل إدارة الأرض والمحصول، ولفتت مفلح إلى أن تطبيق أي عامل من عوامل التكنولوجيا الحديثة السابقة يتطلب من المزارع دفع تكاليف إضافية عدا عامل الأصناف المحسنة الذي لا يكلف المزارع أية أعباء مادية ويحقق زيادة في الإنتاج، وأن زراعة الأصناف المحسنة تحقق عائداً إضافياً سنوياً يقدّر بحوالي 1.7 مليار ليرة سورية، مضيفة: إن زراعة المحاصيل الاقتصادية تواجه العديد من الصعوبات والعقبات أهمها تعرضها للإصابة بالأمراض والحشرات من جهة والإجهادات اللا إحيايئة من جهة أخرى، لذلك يجب تطوير تلك الأصناف وإدخال أصناف جديدة متأقلمة مع التغيرات المناخية وتطور السلالات الممرضة بشكل مستمر وملائمة لمناطق وظروف الزراعة.

تقليل الزمن
مدير مركز هيئة البحوث العلمية الزراعية بحلب الدكتور عبد الله اليوسف، أشار إلى أن المركز شارف على وضع اللمسات الأخيرة على مشروع البيت الزجاجي الخاص بالتهجين الذي يعتبر الأول من نوعه في المنطقة، مبيّناً أن الغاية من المشروع المذكور هي التقليل من الفترة الزمنية الطويلة التي تحتاج إليها بعض الأصناف من المحاصيل، وأن عملية تربية وتطوير أصناف جديدة من المحاصيل بشكل عام تتطلب فترة زمنية طويلة نوعاً ما، إذ تحتاج إلى 15 عاماً بدءاً من التهجين إلى الانتخاب ومن ثم اختبار السلالات الوراثية الناتجة، لذلك كان لابد من البحث عن آليات مختلفة لتقليل تلك الفترة الزمنية والوصول إلى أصناف ذات صفات إنتاجية عالية ومقاومة لمختلف الإجهادات، منوهاً إلى أنه من هنا تأتي أهمية طريقة (Speed up Breeding) التي تعدّ من أهم الطرق الحديثة في علم تربية النبات لأنها تختصر الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى الصنف إلى نصف الفترة الزمنية تقريباً، حيث طوّرت هذه الطريقة بالتعاون بين كل من مراكز البحوث العلمية الزراعية في أمريكا وبريطانيا واستراليا، وتمتاز هذه الطريقة بإمكانية القيام بعمليات الانتخاب ضمن الأجيال الانعزالية تبعاً للهدف المراد الحصول عليه وذلك ضمن ظروف متحكم بها للوصول إلى أصناف عالية الإنتاج من مختلف المحاصيل المتحملة للإجهادات اللا أحيائية ومقاومة للأحيائية منها، مشيراً إلى أن الهيئة وفرت جميع الإمكانات لانطلاق العمل بهذه الطريقة الحديثة، حيث تكمن آلية العمل فيها من خلال توفير الاحتياجات اللازمة للنمو السريع للمحصول من حرارة وإضاءة وطول فترة ضوئية بحيث يستمر النبات في نموه وبالتالي اختصار فترة نمو المحصول، وبالمحصلة الحصول على 6 أجيال للوصول إلى سلالات مستقرة وراثياً في سنة واحدة مقارنةً مع جيل واحد في الموسم الزراعي الواحد في الزراعة الحقلية، وتختلف هذه الشروط باختلاف المحصول المزروع (قمح قاسٍ، قمح طري، الحمص..) من جهة والهدف المنشود من جهة أخرى تحمل الجفاف، ومقاومة الأمراض.

محصلة التطبيق
ويضيف اليوسف: إنه كمحصلة من تطبيق تلك الطريقة فإن عملية رفد برامج التربية الوطنية من المادة الأولية (طرز وراثية متميزة) سوف تكون مستمرة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الطرز الوراثية التي يثبت تفوقها على الأصناف المعتمدة من خلال عمليات الاختبار سوف تدخل في الاعتماد كأصناف جديدة متميزة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الواقع الإنتاجي لتلك المحاصيل بصورة عامة، وبالتالي زيادة الدخل القومي على مستوى القطر، ونظراً لأهمية هذه الطريقة في خدمة برامج التربية الوطنية من خلال تكوين مادة وراثية جديدة بفترة زمنية قصيرة لاستنباط أصناف عالية الإنتاج متحملة لمختلف الإجهادات ومتأقلمة مع الظروف البيئة وذات نوعية تكنولوجية جيدة، فإن الهيئة قطعت أشواطاً كبيرة في تأمين مستلزمات هذه الطريقة.
بالتأكيد ما تتوصل إليه هيئة البحوث العلمية الزراعية من اعتماد أصناف جديدة متميزة ولاسيما في المحاصيل الاقتصادية، أمر في غاية الأهمية في سبيل تحقيق مفهوم الأمن الغذائي الذي يعتبر من اهتمامات السياسات الزراعية في سورية، مع الإشارة إلى أن سورية هي الدولة الوحيدة على مستوى الوطن العربي التي تعتمد على مواردها الذاتية في تأمين حاجاتها من الغذاء.
Mohamdzkrea11@yahoo.com