دراساتصحيفة البعث

مخاطر الحرب التجارية

عناية ناصر
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيحضر المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام في دافوس بسويسرا، توقّع الكثيرون نسخة مخفّفة عن انتقاد ترامب للتجارة الحرة، بعدما تسبّبت حروبه الجمركية في إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد العالمي وسلسلة القيمة العالمية. لكن ترامب، بعد ذلك، أكمل ما تباهى به بأنه أتمّ أكبر الصفقات التجارية مع الصين وكندا والمكسيك.
هذا لم يكن قريباً مما حدث عندما ظهر الرئيس الأمريكي في تجمع قادة العالم ومسؤولي الشركات التنفيذيين والمشاهير. فترامب، الذي يواجه تحقيقاً بالعزل في الداخل ويحتاج بشدة إلى الدعم قبل موسم الانتخابات الساخن، واصل الحديث عما قادت إليه سياساته الاقتصادية من “طفرة اقتصادية لم يسبق أن شهد لها العالم مثيلاً من قبل”، حيث بدا كأنه يضاعف من سياساته الاقتصادية والتجارية السامة. وقال إن معظم الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية سيستمر خلال المحادثات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، زاعماً مرة أخرى أن الولايات المتحدة كانت تدفع “مليارات ومليارات الدولارات في السنة”. وجدّد ترامب تهديده في المنتدى، بفرض رسوم جمركية كبيرة على السيارات الأوروبية إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على اتفاقية تجارية لمصلحة الولايات المتحدة.
إذا كان الرئيس الأمريكي خاطئاً ويريد فقط أن يبدو قاسياً على المسرح العالمي لجمهور حزبي في الداخل، فإن وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، الذي كان أيضاً في دافوس، لم يدع أي شك في أن الولايات المتحدة سوف تستمر على المسار نفسه، مردّداً صدى أقوال رئيسه، بفرض رسوم على إيطاليا والمملكة المتحدة إذا واصل حليفا أمريكا فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الأمريكية.
وأضاف منوشين، الذي يلعب دوراً رئيسياً في مفاوضات الولايات المتحدة التجارية مع الصين: إن الولايات المتحدة يمكنها الإبقاء على بعض التعريفات الجمركية على المنتجات الصينية حتى لو توصل البلدان إلى اتفاق أكثر شمولاً، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال. وغنيّ عن القول إن هذه التعليقات ليست مفيدة على الإطلاق قبل أن تبدأ بكين وواشنطن محادثات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.
من المؤكد أن تبني موقف الولايات المتحدة لا يبشّر بالخير قبل المحادثات مع المسؤولين الصينيين، الذين أبدوا بالفعل تردداً في السير نحو مفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاقية. في حين أن نيّة الولايات المتحدة لمواصلة هذه التكتيكات القاسية قد لا تكون مفاجئة للكثيرين، إلا أن خطر الاستمرار في حرب الرسوم الجمركية قد يكون قد تمّ الاستهانة به. لقد ركز الكثيرون في جميع أنحاء العالم بشكل أساسي على الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحروب التجارية، لكن العواقب قد تكون أكثر خطورة من مئات المليارات من الدولارات الضائعة للشركات وتباطؤ الناتج المحلي الإجمالي للصين والولايات المتحدة والعالم. فإذا استمرت الولايات المتحدة في حرب التعريفة الجمركية، فإن الانعزال الاقتصادي، كما يريده العديد من العناصر الراديكالية في الولايات المتحدة، قد يصبح حقيقة. إذا لم يعد الاقتصادان الصيني والأمريكي مترابطين كما هما الآن، فقد تخرج الأمور بسهولة عن السيطرة على ما يُعتقد على نطاق واسع أنه أكثر العلاقات الثنائية تبعية في العالم.
أضواء الإنذار تومض بالفعل، لقد بدأ ترامب حرب التعريفة مع الصين لتقليص العجز التجاري للولايات المتحدة معها، لكن التعريفات ساهمت أيضاً في تراجع كبير في التجارة الثنائية. لقد بدأ الانعزال التجاري بالفعل، إذ انخفضت حصة الصين من التجارة الأمريكية وحصة الولايات المتحدة من تجارة الصين في الأشهر التسعة الأولى من عام 2019 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016، وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز.
قد يكره البعض في واشنطن التجارة الهائلة بين الصين والولايات المتحدة، لكن ذلك كان أساساً ثابتاً للعلاقات الصينية الأمريكية، فما ستكون عليه العلاقة الثنائية من دونه هو ببساطة أمر لا يمكن تصوّره؟.