محليات

بين قوسين     مضيعة للوقت!

يبدو أن معاناة الناس ليست محددة بضعف منظومة عمل الجهات والمؤسسات التنفيذية والرقابية أو بجائحة وبائية تهدد العالم أجمع، بل هي أشبة بالمتوالية الحسابية التي تندرج أرقامها وأعباؤها المعيشية في خانة الاستدامة مع اختلاف الظروف والمتطلبات اليومية التي بات الكثير منها بعيداً عن ساحة التنفيذ بعد أن حلقت أسعارها ووصلت إلى أرقام فلكية، ويمكن التأكد من صحة هذا الواقع عند مقارنتها بالدخل الشهري للأسرة السورية ونفقاتها الأساسية.

وبعيداً عن الدراسات المتعلقة بالنفقات المعيشية للأسرة السورية والراصدة للفرق بين الدخل والإنفاق الأسري، وتماشياً مع المستجدات الحياتية اليومية المترافقة للإجراءات الاحترازية المتخذة، سنبدأ من لوائح الأسعار في محال الخضراوات التي – على ما يبدو – باتت خارج السيطرة تماماً بكل ما يترتب على ذلك من زيادة في الضغوط المعيشية التي تشتد اليوم بحلقة الخبز الذي يضاف إلى قائمة المعاناة اليومية لصعوبة تأمينه، نظراً للفشل الواضح في آليات التوزيع المعتمدة سواء لجهة الجهات المشرفة والممارسات التي يقوم بها معتمدو الخبز، أم لقلة وعي المواطن ومحاولته ممارسة دور المحتكر للمادة والحصول على كميات كبيرة بهدف التخزين غير المجدي، وهذا ما يؤزم الواقع ويزيد من الأعباء والمسؤوليات على الجميع.

وطبعاً لسنا الآن بصدد إلقاء المسؤوليات والاتهامات، بل نريد الإضاءة على تبعات هذا الواقع والمتمثلة بانهيار القوة الشرائية الداخلية وتفاقم الفقر وارتفاع معدلات الجريمة وازدياد المعاناة والأعباء الحياتية المعيشية في يوميات الناس مع إفراغ سلتهم الغذائية من كل ما يسد الرمق، ونحاول إضاءة الضوء الأحمر والتنبيه إلى خطورة الواقع المعيشي بأسعاره الجارحة، ونسفها الثقة بما يتم إقراره كحلول، كونها تحقق معدلات متدنية في ساحات التنفيذ، رغم استنفار الحالة المؤسساتية العامة الخدمية والإنتاجية والاقتصادية وحشد طاقاتها في خدمة المواطن وتحت شعار التخفيف من أعبائه المختلفة.

ولاشك أن الاستمرار في مشروع تجميل الكثير من المخالفات والممارسات وتبريرها بالظرف الحالي يشكل غطاءً شرعياً للممارسات الخارجة عن سلطة القانون وضد مصلحة المواطن، فاعترافنا بكثرة القوانين التي تنظم يوميات الناس بتفاصيلها كافة يقابله الإصرار على أن العبرة تبقى في التطبيق والقدرة على لجم المخالفات أياً كانت. وهنا نركز على موضوع الخبز ومعضلة إيصاله إلى كل حي في الريف وقراه حسب ما تم إقراره في محافظة ريف دمشق، حيث تتزاحم هنا أخطاء الجهات المشرفة التي تتعامل مع هذا الملف من منظار المصلحة الشخصية “الوجاهة”، بدلاً من توسيع دائرة المعتمدين والموزعين في الأحياء. ولابد هنا من لوم المجتمع الأهلي الذي لم يفعل مبادراته في هذا المسار، واقتصر حضوره على محاولات فردية متفرقة غير قادرة على إحداث تحول فعلي في مجريات المعيشية والظرفية الطارئة.

ونتفق جميعاً أن الاستمرار في مخاطبة ضمائر بعض التجار هو مضيعة للوقت، ولابد من التشدد في تطبيق القانون، وخاصة بحق كبار المحتكرين والمتحكمين بالأسواق والأسعار.. ومن هنا تبدأ “خطوة الألف ميل” – كما يقال.

بشير فرزان