تحقيقات

اعتماد البطاقة الذكية لتوزيع الخبز .. بين السلبيات والإيجابيات

لو تم إجراء دراسة عن عدد الموافقين على توزيع الخبز على البطاقة الذكية لاشك أنناسنجد أنها نسبة لا تتجاوز ٥ % في أحسن الأحوال ،بينما الغالبية العظمى من الأسر السورية ترفض ذلك انطلاقاً من مقولة مغروسة في الأذهان بأن الخبز خط أحمر خاصة وأن منغصات التجارب السابقة للبطاقة الذكية مازالت حاضرة في مجال نقص البيانات المدونة عليها ، وعدم قدرة الكثير من الأسر على تعديل البيانات أو استكمالها وفق القيد العائلي بعد قيام شركة تكامل بإغلاق أبوابها كإجراء احترازي للتصدي لفايروس كورونا مما خلق إشكالية كبيرة لدى كثير من المواطنين في الحصول على مخصصاتهم من المواد التموينية لتزيد معها المعاناة في حال تقرر إدراج مادة الخبز على البطاقة الذكية.
وهنا نسأل وننقل هواجس المواطنين لأصحاب القرار هل الوزارة المختصة في موضوع إنتاج وتسعير وتوزيع الخبز والرقابة على كل مايتعلق بملفه تحاول الهروب إلى الأمام بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً في هذا الملف الحساس ، سواء لجهة نوعية الخبز المنتج ، أم لجهة وزن الربطة أم لجهة السعر ، أم لجهة طريقة التوزيع عبر البطاقة الذكية ، أم حقاُ سيساهم الإجراء الجديد في ضبط الهدر ومنع السرقات وتحسين النوعية والتقيّد بالسعر .. وهل لديها تصور كامل حول مواضع الخلل والفساد القائمة والتي قد تبرز عند عملية التطبيق .

مقومات النجاح
من المعوقات الهامة التي يجب تذليلها مشكلة الوقت ، فالأسرة ستضطر يومياُ للوقوف على الدور للحصول على الخبز بينما حالياُ يتم شراء الخبز مرتين بالأسبوع وهذا يخفف من عبء الوقت على الأسر إضافة إلى الكميات التي قد لاتكون كافية أو على المحك لحاجات الأسرة اليومية..
غاندي الشوفي قال: إن المشكلة تكمن في الاضطرار بشكل يومي لترك الدوام لشراء الخبز ، وهذا عبء يضاف لعبء الغاز والوقوف على أبواب السورية للتجارة لشراء السكر والرز والزيت ، مؤكداُ أهمية وجود بنية تحتية متكاملة وتوفير للمواد بشكل يسهل عملية الوصول إليها.
ويقول منير حاتم إن مسألة توزيع المواد تتطلب نية التوزيع الحسنة ، ووجود المادة ، وإن اختفى أحد الشرطين ، لن يكون هناك توزيع عادل ، وتدخل البطاقة لتخفي تقصير المسؤولين ، مؤكداُ أن البطاقة وسيلة تكنولوجية جيدة إذا توفرت لها مقوماتها ، وهي مراكز بيع متعددة لا تخلق زحمة وأزمة تضيّع وقت المواطن وكذلك توفر المادة بشكل دائم ووجود المواد المشمولة بالبطاقة في مكان واحد أو معتمد واحد والأهم هو الحالة التقنية لجهة توفر الشبكة والبيانات بشكل كامل ومن الضروري أيضا توفير المواد ذات الجودة العالية.
وعبر حاتم عن خشيته أن نكون البطاقة هدفها التعمية عن التقصير ، فكلما نقصت مادة أساسية في المؤسسات بسبب تحويلها للسوق السوداء ،طبقوا على المادة قانون البطاقة كي يرجعوا التقصير للموزعين والمعتمدين أو لجهل الناس بالبطاقة أو للشبكة ،وبالتالي تمضي فترة ضائعة دون توزيع المادة ريثما يتم تأمينها.
خط أحمر
الكثير من التساؤلات حول كيفية حصول باقي الأفراد على مخصصاتهم من الأرغفة إذا كان نصيب الفرد من الخبز رغيفاً ونصف رغيف فقط؟! فهذا يعني أن هذه الأسرة سيكون نصيبها/ ٣ / أرغفة! ما سيولد إشكالية كبيرة في حال تعميمه في ظل الظروف الحالية مع نقص البيانات، كما أنه سيخلق انعكاسات سلبية، والسؤال : لماذا لم تؤجل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك هذا الإجراء لحين الانتهاء من الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا ليتاح تعديل بيانات المواطنين فيما بعد وبالتالي الحصول على مخصصاتهم كاملة؟.
وليد الحمود من مكتب التنمية في السويداء أكد أن قرار توزيع رغيف المواطن عبر البطاقة الذكية يحتاج لدراسة هادئة ومعمقة يتم من خلالها تلافي أي خلل قد يظهر لاحقاً وينعكس سلباً على الوطن والمواطن ، لافتاُ إلى أن البطاقة الذكية تحقق العدالة وتمنع الاحتكار ولكن بشرط أن تتوفر المواد بحيث تكون ذات مصداقية وبذلك يتحقق توزيع الدعم الحكومي لكل المواطنين بنفس السوية دون تلاعب وهدر وتهريب وأن تكون عائدية المشروع للدولة وليس لجهة خاصة كائناً من كانت خاصة أن الدعم هو من الدولة لمواطنيها فلماذا الوسيط الخاص؟
وبين الحمود أن الخبز هو الخط الأحمر للمواطن والمادة الوحيدة التي ما زالت ضمن الحدود الطبيعية والتي ما زال يحمد الله على وجودها ، ولكن من ناحية أخرى فإن عملية إنتاجه وتوزيعه عملية غير منضبطة ، وفي ظل غلاء أسعار الأعلاف فان هذه المادة تذهب بديلاُ عن العلف للحيوانات ، إضافة إلى عمليات التهريب الكبيرة إلى الدول المجاورة في ظل تهريب كل المواد المدعومة إلى خارج القطر ، وبالتالي ضياع الدعم الحكومي خاصة لمادة الخبز مع وجود فساد لا يمكن ضبطه ولا محاسبته ، فأمام الحكومة حلان لا ثالث لهما فإما رفع الدعم عن هذه المادة والحكومة عاجزة عن هذه الخطوة فهي غير قادرة على ضبط السوق ولا تملك قاعدة بيانات تمكنها من توزيع الدعم ، أوتوزيع الخبز على البطاقة الذكية ، وفي هذه الحالة سيتوقف التهريب وسيتوقف استنزاف المادة للعلف ولكن سيتأذى المواطن من حيث الكمية.
وبين الحمود أنه لضمان نجاح التجربة لابد من زيادة مخصصات الفرد وضبط اللوائح التي ستعتمد من قبل الوحدات الإدارية للأشخاص .
زيادة المخصصات

يبدو أن كل الثغرات ومظاهر الخلل ومناشدات المواطنين ووسائل الإعلام التي رافقت توزيع الغاز والمازوت والمواد التموينية المقننة عبر البطاقة(الذكية) تجاهلتها الحكومة والجهات المعنية فيها حتى الآن, بدليل استمرار هذه الثغرات ,واستمرار شكاوى ومناشدات المواطنين بخصوصها ,وأيضاً بدليل الإقدام على اتخاذ خطوات (تجريبية) لتوزيع الخبز على الأسر عبرهذه البطاقة التي تحولت حسب الكثير من المواطنين إلى “غبية” بسبب هذه الثغرات والأخطاء التي يتحمل مسؤوليتها من خطط وصمم ومن نفذ وينفذ ومن أشرف ويشرف !
وفي حالة الخبز فإن الموضوع يحمل حساسية عالية كونه يتعلق بحاجة يومية وأساسية للأسر السورية لا يمكن التجريب فيها ، وبالتالي لابد من وجود دراسة دقيقة وكافية ، مع توفير كميات مناسبة لتطبيق التجربة ، في وقت تشير فيه مصادر من فرع المؤسسة السورية للمخابز إلى ضرورة الإسراع بإعادة مخصصات المحافظة إلى ما كانت عليه سابقاً أي /170/ طناً يومياً أو زيادة / 10 / أطنان يومياً على الأقل إلى الكميات الحالية والبالغة / 140 / طناً بما يواكب الزيادة الكبيرة في الطلب على مادة الخبز خاصة بعد الإجراءات الاحترازية المتخذة للتصدي لفيروس كورونا وما رافقها من قرارات حظر التجول ومنع التنقل بين مراكز المدن والريف وبين المحافظات .
فالوزارة قد خفضت مخصصات المحافظة من مادة الدقيق التمويني خلال الأشهر الماضية من 170 طناً يومياً إلى140 طناً، حيث طال التخفيض مخابز المحافظة البالغ عددها ثمانية مخابز آلية في القطاع العام و /39/ مخبزاً خاصاً في قرى وبلدات المحافظة ،ما أدى إلى انخفاض إنتاج المحافظة من مادة الخبز من /200/ طن يومياً إلى نحو/165 / طنا يومياً.

دراسة معمقة

اعتماد البطاقة الذكية في توزيع الخبز(إذا كان لابد منه حقاً) يحتاج لدراسات متأنية ومعمقة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية ، وهواجس وملاحظات وتعليقات وإقتراحات المواطنين التي تنشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي ، أو عبر وسائل الإعلام بما في ذلك الخلل الكبير الذي يرافق الخبز من وقت إنتاجه حتى وقت وصوله ليد المواطن،وتراعي الحاجة الفعلية من الخبز لكل أسرة ولكل شخص يعيش بعيداً عن أسرته وبطاقتها ، وكذلك مراعاة الوقت والتوزيع اليومي ، وقد يكون جعل المخصص أسبوعيا للأسر وبشكل كاف هو بوابة يمكن الدخول منها.
رفعت الديك