دراساتصحيفة البعث

واشنطن تغرق في مستنقع من المشاكل…

ترجمة: علاء العطار

عن “أميركان هيرالد تربيون” 23/5/2020

تفتعل الولايات المتحدة معركة أخرى مع الصين إلى جانب حربها التجارية، عنوانها حرب فيروس كورونا، إذ تُحمِّل الصين مسؤولية انتشار الفيروس عبر حجب المعلومات عنه.  ويريد بعض مسؤولي واشنطن إجبار الصين على دفع تكلفة الدمار التي تسبب به الفيروس عن طريق التراجع عن تعهداتهم بسداد دين الولايات المتحدة الذي تحتفظ به الصين على شكل سندات من الخزانة الأمريكية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي تلك المعلومات عن الفيروس التي يُزعم أن الصين تحجبها عن العالم؟

أهي أن الصين كانت تجري أبحاثاً على الفيروس، وكيف لها أن تحجب هذه المعلومات مع أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت على دراية بها، وكانت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية تمولها، وكان العلماء الأمريكيون يتذمرون من الخطر المحدق بهم [الفيروس]؟.

أم أن الفيروس كان يدمر ووهان؟ فكيف حجبت هذه المعلومات وكانت وسائل الإعلام تغطي الحدث يوماً بيوم؟

عرفت الولايات المتحدة عن تفشي الفيروس في الصين قبل شهرين من تفشيه في الغرب، لكنها لم تتخذ أي إجراءات احترازية بالرغم من ذلك، فجلبت الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الفيروس إلى أراضيها، سواء عبر تقاعسها أو عبر نية مُبيّتة، فرفضت حكوماتها إيقافَ الرحلات الجوية من وإلى الصين ومنعَ السفن السياحية من استقبال ركاب من المناطق المصابة، ولم تُرد هذه الحكومات التدخل في دوران عجلة الربح، وهو ما له أولوية عندها على حياة شعوبها، لذا لم تفعل شيئاً قطّ، ولم تبذل أي جهد لتخزين الكمامات والمعدات الطبية، أو لحماية دور الرعاية الصحية، أو لعزل مرافق المستشفيات، أو لتفكر بشكل غير تقليدي بعلاجات ناجعة، وكانت الحكومة السويدية غير مستعدة أبداً حتى إنها لم تحاول فعل شيء وتركت الفيروس يستنفد أغراضه، وجال يفتك بالمسنين.

وفي محاولة، ناجحة إلى حد ما، للحد من معدل الإصابة بحيث يخف الضغط على المرافق الصحية، فرضت معظم الدول قواعد التباعد الاجتماعي، وحظر التجمهر، وأغلقت أماكن العمل، لكن لأننا لم نكن نعلم عن الفيروس إلا القليل واستهنّا كثيراً بمعدل الوفيات في الصين، لم يكن لدينا أي بديل مسؤول لما يدعي بـ “الحظر”، ولا يبقى لدينا إلا أن نرى إن كان القلق بشأن الأرباح قد أدى إلى إعادة فتح سابق لأوانه، ما سيؤدي إلى موجة ثانية من معدلات الإصابة السريعة، ويشتبه كثيرون في أن شركات صناعة الأدوية تريد الحفاظ على انتشار العدوى ليدفعنا هلعنا إلى تلقي لقاح لم يختبر بدرجة كافية.

إن لعبة لوم الصين هي في حقيقتها محاولة للتستر على فشل الحكومات الغربية الرأسمالية في التعامل مع الأزمة. وفشل الحكومات في التعامل مع الأزمات أمر شائع، فقط تذكر إعصار كاترينا الذي دمر نيو أورليانز وساحل الخليج، وإن كنت لا تتذكر أو كنت أصغر من أن تتذكر ما عرض عن إعصار 2005 على التلفاز، فاقرأ كتاب “الطوفان العظيم” لمؤلفه دوغلاس برينكلي.

جميعنا يعلم أن السدود التي تحمي نيو أورليانز والمناطق المحيطة بها لم تصمد أمام قوة إعصار كاترينا، لقد كانت المدينة عبارة عن وعاء ينتظر أن يملأه الماء الذي أتى على 80% من نيو أورليانز وعلى 150 ميلاً من ساحل الخليج، صدرت أوامر الإخلاء بعد فوات الأوان، ولم تتخذ خطوات لإخلاء من لا يملك سيارة أو موارد، وتخلوا عن المرضى والمسنين، وحددت خطوات قليلة لتجميع الحافلات والقوارب والمنجدين، وغاب قسم شرطة نيو أورليانز عن الحدث، وانخرط بعضهم في النهب والسرقة، وفشلت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ فشلاً ذريعاً، ولم يَصبّ الرئيس جورج دبليو بوش ومدير الأمن القومي مايكل تشيرتوف تركيزهما على المأساة التي تتكشف بل على ابتداع مكيدة إرهابية استُخدمت لتسويغ عشرين سنة من القصف الأمريكي وغزو بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ نشر بوش الحرس الوطني لولاية لويزيانا في العراق، فاضطر حاكم لويزيانا إلى استعارة حراس من الولايات الأخرى.

تعاون حرس السواحل وكادر منظمة الحياة البرية والثروة السمكية وبعض الأفراد ليشكلوا قوة المنجدين الأوائل، وحضر أفراد من لويزيانا وغيرها من الولايات وبذلوا وقتهم وأموالهم وقواربهم وبدؤوا بتنظيم عمليات الإنقاذ، وشارك في الإنقاذ العديد من الأشخاص الذين بان عند الشدائد كرمهم وبطولتهم، وعلى أن معظم المُنقِذين كانوا من الجنوبيين البيض ومعظم المُنقذين من أصحاب الأصول الإفريقية، فهذا يدحض الصورة التي تروج لها وسائل الإعلام لعنصرية الجنوبي الأبيض، إذن كان الموطنون هم من أنقذ أرواح آلاف الأشخاص الذين كانوا ليموتوا لولاهم، وليس حكومة ولاية لويزيانا أو واشنطن،

وها نحن نقاسي من المأزق نفسه مرة أخرى، إذ غُمرت مناطق ميتشيغان بمياه الفيضانات الناجمة عن فشل السدود، ولطالما عرف أن سد إيدنفيل خطر على السلامة العامة، وفشل مالك السد بويس هيدرو مراراً في معالجة هذه المخاطر المعلومة بالرغم من تدخل المنظمين، لا يقع اللوم على بويس هيدرو وحده، بل على سلطات الحكومة التي سمحت لهذه المخاطر المعلومة بالاستمرار دون معالجة. إن الخسائر في الأرواح والممتلكات نتيجة الطوفان هي تكلفة خارجية يرميها بويس هيدرو على أطراف ثالثة، إذ لم يكن يهمه سوى الأرباح.

تمثل حكومات الولايات والحكومات المحلية والحكومات الفيدرالية في جميع أنحاء أمريكا الفشل، إذ تُضخ تريليونات الدولارات في أنظمة صناعة الأسلحة التي لا يمكن استخدامها بدون تدمير الولايات المتحدة وباقي العالم، بينما تفشل السدود وتنهار الجسور وتنحل المجتمعات المحلية ويزداد التشرد، تقضي حكومة واشنطن وقتها وتصرف أموالها في صناعة أعداء لتسويغ ميزانية المركب العسكري/الأمني، في حين تنتقل الوظائف والاقتصاد الأمريكي إلى الخارج، وتتدهور الأحوال البيئية، وتبقى احتياجات الرعاية الصحية دون معالجة، وتنافس الولايات المتحدة دول العالم الثالث من حيث النسبة المئوية للسكان الذين لا يملكون مدخرات، ولا إمكانيةً للحصول على رعاية صحية، ولا آمال للتقدم في الحياة.

لكننا نستطيع أن ننسف العالم أجمع عدة مرات ونقوم بتدخلات غبية في البيئة الطبيعية، وهي تدخلات من شأنها أن تضاعف القوة المدمرة للعواصف والأمطار الغزيرة وغيرها من الظواهر الطبيعية الأخرى.

ومع أن الانتخابات على الأبواب، لم يعترف أي مسؤول بالمشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد، ولم يبد أي منهم اهتماماً بمناقشة ما يجب فعله بشأنها، ستغرق أمريكا ومعها العالم الغربي ببساطة في مستنقع مشاكلهم التي لم يعالجوها مثلما غرقت نيو أورليانز.