الصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعث

رغم تهديدات ترامب.. الاحتجاجات تتسع وتشعل شوارع أمريكا

لا تزال الاحتجاجات والتظاهرات تشعل شوارع الولايات الأميركية، منذ مقتل الشاب الأميركي الأفريقي جورج فلويد على أيدي رجال الشرطة، أثناء اعتقاله بطريقة عنيفة، رغم أن دونالد ترامب اختار تسعير خطابه في وجه حكّام الولايات، بعدما كان قد حذّرهم، في اتصال هاتفي، من تحوّلهم إلى “حمقى” إذا لم يوقفوا المتظاهرين عبر قمع الاحتجاجات وتوسيع الاعتقالات وتشديد الأحكام القضائية، إذ هدّد بنشر الجيش لوقف أعمال العنف، داعياً حكّام الولايات إلى التحرّك بسرعة وبحزم “لضبط الشارع”.

ودخلت موجة الغضب التاريخية، أمس الأربعاء، مرحلة جديدة بعد دخول فئات أخرى غير الشباب المنتفضين على إدارة ترامب، حيث تفاجأ الأميركيون بانتشار صور لشرطيين ركعوا على ركبة واحدة إلى جانب المحتجين. ففي دي موين في آيوا، ركعت قائدة الشرطة دانا وينغيرت على ركبة واحدة أمام حشد من المتظاهرين مع ضباط آخرين، وشرحت موقفهم قائلة: “ننضم إليهم (المحتجين) بطريقة رمزية هذا أقل ما يمكننا فعله”.

وتبنى المتظاهرون المناهضون للعنصرية، في جميع أنحاء البلاد، الوضعية التي اشتهر بها ظهير كرة القدم الأميركية السابق كولين كايبرنيك، الذي بدأ الركوع قبل عزف النشيد الوطني في العام 2016، للاحتجاج على وحشية الشرطة ضد السود والأقليات الأخرى.

وفي مشهد مهيب، تمّ التقاطه في نيويورك، ركع قائد الشرطة في المدينة تيرينس موناهان، وشبك يديه مع اثنين من قادة الاحتجاجات، فيما تم رفع الأسلحة لأعلى، كوسيلة لإظهار الدعم والغضب المشترك على مقتل فلويد.

وسجلت مشاهد مماثلة في فلوريدا وإلينوي وميسوري وجورجيا، وكذلك في العاصمة واشنطن.

وتبنى سياسيون بارزون وضعية الركوع على ركبة واحدة، ابتداءً من المرشّح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن إلى عمدة لوس انجليس إريك غارسيتي، الذي ركع على ركبته مع مجموعة من الضباط أثناء تواجدهم مع المتظاهرين بالقرب من مجلس المدينة.

وجثا متظاهرون على ركبهم خارج مبنى الكونغرس، مرددين هتاف “الصمت هو العنف” و”لا عدالة.. لا سلام”، وقابلهم أفراد الشرطة بالقمع والتنكيل.

وملأ مئات المحتجين شارع هوليوود بمدينة لوس أنجلوس، وتجمع آخرون أمام مقر إدارة شرطة المدينة.

وكانت لوس أنجلوس مسرحاً لأعمال شغب عنيفة في ربيع عام 1992 بعد تبرئة ساحة أربعة ضباط متهمين بضرب السائق الأسود رودني كينغ، وأسفرت الأحداث عن مقتل أكثر من 60 شخصاً، وتسببت في أضرار تقدر بنحو مليار دولار.

1600 عسكري لقمع احتجاجات واشنطن

وفي محاولة للضغط على المحتجين وترهيبهم، نقلت وزارة الدفاع الأمريكية، والتي تعرّضت لانتقادات واسعة من قبل السياسيين لموقفها المؤيد لقرارات ترامب على حساب الشعب، نحو 1600 من قوات الجيش إلى منطقة العاصمة واشنطن بسبب الاحتجاجات التي تجتاح البلاد، وقال جوناثان راث هوفمان، المتحدث باسم البنتاغون، “إن القوات في حالة تأهب قصوى” زاعماً أنها “لا تشارك في الدعم الدفاعي لعمليات السلطة المدنية”، فيما ذكرت مصادر أن الشرطة الأمريكية اعتقلت أكثر من تسعة آلاف شخص خلال الاحتجاجات، مبينة أن الشرطة الأمريكية اعتقلت 2.7 ألف شخص في ولاية لوس أنجلوس، ونحو 1.5 ألف شخص في ولاية نيويورك، كما تم اعتقال مئات الأشخاص في كل من دالاس وهيوستن وفيلادلفيا.

وتحدثت وسائل إعلام أميركية عن مقتل شخصٍ وجرحِ آخرين بإطلاق نار في نيويورك، خلال مواجهة الشرطة للمتظاهرين المنادين بسلميّة تظاهراتهم، فيما شهد البيت الأبيض تظاهرات حاشدة، ما دفع بالشرطة العسكرية إلى إغلاق مداخل المنطقة المحيطة بالبيت الأبيض. وأفادت وكالات بأن المحتجين يطالبون بمحاكمة عادلة لقتلة المواطن فلويد، مشيرة إلى أن غالبية المشاركين في الاحتجاجات الأميركية غالبيتهم من فئة الشباب، وأنهم يشددون على سلمية تحركاتهم، وأنها تهدف للعدالة والاصلاح، وأشارت إلى شعارات جديدة رفعت في التظاهرات، ومنها “هل سأكون أنا التالي بعد فلويد؟”، وأكدت أن الشرطة الأميركية تستخدم العنف ضد المحتجين في العاصمة الأميركية واشنطن لفضّ الاحتجاجات المنددة بالعنصرية وسياسة ترامب، وأنها استخدمت قنابل الغاز باتجاه المتظاهرين وقامت باعتقال العشرات منهم، ولفتت إلى أن إدارة السجون الأميركية فرضت قيوداً على حركة المساجين خوفاً من احتجاجات.

وفيما أظهر استطلاع للرأي أن غالبية الأميركيين تتعاطف مع المحتجين وتعارض طريقة تعاطي ترامب معهم، منع الجمهوريون إدانة ترامب في مجلس الشيوخ على استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين.

رجال الدين يوجّهون انتقادات لاذعة لترامب

وفي ردود الأفعال الداخلية وجه زعماء للبروتستانت والكاثوليك في الولايات المتحدة انتقادات لاذعة لترامب بعد يوم من إجلاء محتجين سلميين بالقوة من أجل التقاط صورة له أمام كنيسة قريبة من البيت الأبيض، فيما هاجم المرشح الديمقراطيّ للرئاسة الأميركيّة جو بايدن الرئيس الأمريكي بسبب طريقة إدارته للاحتجاجات المستمرة في البلاد، واعتبر بايدن أنّ “على ترامب أن يكون جزءاً من الحلّ لا المشكلة”، وأشار إلى أنّ “علينا أن نكون يقظين بشأن العنف الذي يقوم به الرئيس الحالي لاقتصادنا وللعدالة”، مبرزاً أنّه “عندما يُفرّق المتظاهرون السلميّون على عتبة بيت الشعب (البيت الأبيض) باستخدام الغاز المسيّل للدموع من أجل صورة تذكاريّة أمام كنيسة تاريخيّة، يمكن عندئذٍ الاعتقاد بأن الرئيس أكثر اهتماماً بالسلطة من المبدأ واحتياجات الناس”. وأضاف: “رفع الرئيس الكتاب المقدس في كنيسة سانت جونز.. أتمنى فقط لو أنّه فتحه بدلاً من الترويج له”.

واعترف السفير الأميركي في جمهورية الكونغو الديمقراطية مايك هامر أن النظام في بلاده فشل “في كثير من الأحيان” بحماية مواطنيه الأميركيين من أصول إفريقية، وكتب على تويتر: “العنصرية ليست مقبولة ويجب القيام بما هو أفضل ولقد أخفق النظام في حماية أحد مواطنينا كما فعل في معظم الأحيان حيال العديد من الأميركيين الأفارقة”، وأضاف، في التغريدة التي أعادت السفارة نشرها على حسابها، متوجّها إلى العديد من الكونغوليين المصدومين الذين طرحوا عليه أسئلة على شبكات التواصل الاجتماعي: “أشاطركم ألمكم وغضبكم واستياءكم بشأن هذه الوفاة وأشاطركم رغبتكم في تحقيق العدل لأن أي ظلم يشكل تهديداً للعدالة في أي مكان”.

برلين: ترامب يصب الزيت على النار

وفي ردود الأفعال الدولية، اعتبر البابا فرنسيس أن أي شكل من أشكال العنصرية “غير مقبول”، وقال: “لا يمكننا أن نقبل ولا نغض النظر عن أي شكل من أشكال العنصرية أو الإقصاء، والادعاء بأننا ندافع عن قدسية أي حياة بشرية”، واصفاً العنصرية بالخطيئة، فيما اعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن ما يحدث في الولايات المتحدة أمر مروّع ولا يغتفر.

كما أدان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس تهديد ترامب بنشر قوات عسكرية لقمع الاحتجاجات، وقال لمجلة دير شبيغل الألمانية: “ترامب يصب الزيت على النار باستخدامه القوة ضد المتظاهرين”، مشيراً إلى أن “العنف يثير مزيداً من العنف”.

ويواجه ترامب حركة احتجاج عارمة في حدث هو الأخطر في ولايته مع نزول آلاف الأميركيين إلى الشوارع احتجاجاً على العنف الذي تمارسه الشرطة والعنصرية والتفاوت الاجتماعي، تضاف إليها أزمة انتشار فيروس كورونا، حيث فرض حظر التجول في عشرات المدن الأميركية وبمستويات لم تشهدها البلاد منذ أعمال الشغب التي أعقبت اغتيال مارتن لوثر كينغ عام 1968، وانتشر الحرس الوطني في 23 ولاية والعاصمة واشنطن.