محليات

الزراعة الملاذ الآمن للتنمية.. وتطويرها إستراتيجية مطلوب أن تبقى دائمة

استحوذت الزراعة على الحصة الأكبر من الناتج القومي السوري بتسجيل ما يقارب 26%  منه، وتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي جعل من سورية منيعة أمام كل المحاولات للضغط عليها من بوابة التجويع والحصار، ومع كل هجمة كانت تحاول النيل من سورية واقتصادها كانت الزراعة الملاذ الآمن والصمام الذي يحمي قلبها، واليوم ومع تطبيق ما يسمى بـ”قانون قيصر”، يحضر استنهاض القطاع الزراعي وبقوة على طاولة القرار الحكومي مع إطلاق خطة إستراتيجية جوهرها الاعتماد على الذات  لحماية الأمن الغذائي من مخاطر الحصار والعقوبات الاقتصادية.

وبناء على ذلك تحركت الوزارات والمؤسسات والهيئات التي كلفت بتنفيذ الإستراتيجية للإسراع في ترجمة الخطط والبرامج على أرض الواقع كلاً من موقعه ومسؤولياته، على أن تكون وزارة الزراعة الأداة التنفيذية للبدء بتطبيق الخطة الإسعافية، في حين أن نقطة الانطلاق الرئيسية هي منطقة الغاب لما تشكله من خزان زراعي لغناها بالموارد الطبيعية والبشرية وموقعها الاقتصادي، وتمركز زراعة أهم المحاصيل الرئيسية فيها من قطن وشوندر سكري وقمح وتبغ، بالإضافة إلى الخضار بأنواعها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الزراعات في سهل الغاب ترتبط بصناعاتها الرديفة.

اقتصاد إنتاجي

وبرأي المهندس هيثم حيدر مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة أن الهدف الرئيسي من برنامج تطوير وتنمية منطقة الغاب يتمثل أولاً بالمساهمة في بناء الاقتصاد الإنتاجي القادر على الاستمرار والتطور للحد من الفقر الريفي وتعزيز الأمن الغذائي والزراعي والصناعي والبيئي، وثانياً بإعادة تنشيط سبل العيش المختلفة في المنطقة من خلال الاستثمار في إعادة تأهيل وصيانة البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية القادرة على التكيف مع تغير المناخ، وثالثاً بإعادة بناء القدرات الإنتاجية والتكييفية للمجتمعات الريفية والمؤسسات العامة.

إذن الغاية الرئيسية تكمن أولاً بنظر الحكومة في إعادة ترتيب أوراق العملية الزراعية وتلافي أخطاء وعثرات الفترة الماضية، والشروع فوراً بإصلاحها وجعلها مواكبة لما ستكون عليه الدراسة التي تم إقرارها، والتي بحسب المهندس حيدر هي خطة إستراتيجية تنموية على مدى عشر سنوات مقسمة إلى مرحلتين:

أولى إسعافية آنية تم رصد اعتماد لها بقيمة 5 مليار ليرة لتنفذ هذا العام من خلال إعادة تأهيل وصيانة قنوات الري وتأمين الآليات الهندسية والتجهيزات اللازمة لذلك، إضافة إلى حفر بئرين داعمين لزيادة المساحة المروية وتأمين مياه الري للمحاصيل، ودعم الخدمات البيطرية لتوفيرها للثروة الحيوانية من خلال إعادة تأهيل مخبر الشريعة البيطري وغرفة التبريد الخاصة بحفظ اللقاحات، وتصنيع وتسويق الحليب من خلال إقامة 3 مراكز لتجميع مادة الحليب و4 وحدات لتصنيع الألبان والأجبان، ودعم المحاصيل الاقتصادية البديلة من خلال إحداث منافذ تسويق المحاصيل الطبية والعطرية والوردة الدمشقية (تنظيم زراعات تعاقدية مع المزارعين)، ومساندة ودعم العملية الإنتاجية من خلال تأمين التمويل وتقديم قروض ميسرة للمنتجين الزراعيين.

والمرحلة الثانية استكمال الأعمال التي تم البدء بها هذا العام وحتى نهاية العشر سنوات القادمة، حيث من المقرر أن تكون النتائج في نهاية فترة التنفيذ تحقيق محصلتين رئيسيتين هما: بناء البنى التحتية المؤهلة والقادرة على الصمود، وتحسين الإنتاجية الزراعية والصناعية والسياحية وسبل العيش المستدامة، وتتضمن هذه المرحلة تأمين الآليات الهندسية اللازمة لإعادة تأهيل مشاريع الري من قنوات ومحطات ضخ، وتركيب نظم ري بالطاقة الشمسية، وإقامة مشاريع بمجال التصنيع والتسويق الزراعي، وإعادة تأهيل منشآت تربية الثروة السمكية العامة والخاصة،  وإعادة دراسة مشروع القرى النموذجية العشرة التي تم إقامة البنية التحتية لها خلال السنوات الماضية وخاصة قرى (نهر البارد ـــ عين الكروم ـــ شطحة ــ مرداش) والتي تحتاج إلى إعادة دراسة وتصميم في ضوء الواقع الراهن، كما تضمنت الإستراتيجية الوطنية خطة لتأمين متطلبات القطاع الزراعي من سماد ومبيدات وتقنيات ري حديث ووقود وآليات زراعية، والاستمرار بترميم قطعان الثروة الحيوانية، وإنشاء وحدات تحلية وتكرير مياه ملحية للحد من هدر المياه بالصرف الصحي، إضافة لتسهيل منح القروض للأخوة الفلاحين والمنتجين وتقديم كل التسهيلات الداعمة لهم في استمرارية إنتاجهم.

مشاريع صغيرة

في موازاة، هذا العمل الاستراتيجي النوعي لتطوير القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والاستفادة من كل الطاقات المتاحة في القطاعين العام والخاص، فإن التركيز على الزراعات الأسرية ومشروع المرأة الريفية والتربية الأسرية للدواجن والأسماك، لايقل أهمية عن المنشآت الإنتاجية الضخمة، ويصب أيضاً في خانة الحفاظ على المجتمع الزراعي المحلي ودعمه بمشاريع إنتاجية صغيرة تغذي السوق بحاجاته الضرورية، والتخفيف من حدة الفقر الريفي، ومن وجهة نظر المهندس حيدر فإن رؤية وزارة الزراعة في دعم هذه المشاريع تكمن في أن هذه البرامج قادرة على الوصول إلى الموارد والخدمات والفرص، مما يزيد مشاركتها في عملية التنمية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي من خلال تنفيذ مشروع الزراعات الأسرية، ففكرة مشروع المرأة الريفية تقوم على استثمار مساحة الأرض الملحقة بالمنزل وزراعتها بالخضار الصيفية والشتوية وتقديم كافة مستلزمات الإنتاج والتدريب للأسرة مجاناً، إضافة إلى المساهمة في تسويق المنتج، كاشفاً أن عدد الأسر المستفيدة من المشروع بلغ 45860 أسرة في1350 قرية باعتمادات مالية وصلت إلى مليار ليرة، والأمر ينطبق على برنامج التربية الأسرية للأسماك، حيث تم إنشاء أكثر من 800 مزرعة أسرية مع تزويدها بالإصبعيات مجاناً، وفي هذا العام من المخطط توزيع 100 ألف إصبعية مجاناً في معظم المحافظات، وقد لاقت هذه التجربة رواجاً ونجاحاً كبيرين، أما التربية الأسرية للدواجن، فقد وصل عدد الأسر المستفيدة منها إلى  /7000/ أسرة، وبالتالي فإن هذه المشاريع وعلى صغر حجم إنتاجها إلا أنها ستؤدي غرض أساسي في الحفاظ على المجتمع الريفي الزراعي، ودعم أفراده الذين يشكلون العماد الأساس لكل العملية الإنتاجية الزراعية.

كنز لا ينصب

إن النهضة الزراعية في سورية استندت خلال العقود الأربعة الماضية والانتقال من الندرة إلى الوفرة على عدة عوامل أهمها الدعم الزراعي والاعتماد على البحث العلمي الزراعي الذي ساهم في زيادة الإنتاجية في وحدة المساحة، بالإضافة إلى التوسع في المساحات المروية، وكافة هذه العوامل ساهمت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في أغلب المحاصيل الزراعية وضمان الأمن الغذائي، وكانت التجربة السورية من التجارب الرائدة التي يحتذى بها على مستوى الوطن العربي، وبالتالي فإن الزراعة هي الحل الأمثل لدعم الاقتصاد وبالاعتماد على الذات تستطيع سورية مواجهات العقوبات الاقتصادية وتأمين احتياجات المواطنين، ولاشك أن تطوير المحاصيل الإستراتيجية كالقطن والزيتون والقمح وغيرها سيعيد الألق لقطاعنا الزراعي ليكون فاعلاً وداعماً للاقتصاد المحلي، إذا علمنا أن 60%  من مجمل صادراتنا السورية هي صادرات زراعية.

ميس خليل