مجلة البعث الأسبوعية

جريمة حرب أردوغانية جديدة.. الحسكة عطشى وأكثر من مليون مدني بلا مياه

وسط صمت أممي مطبق يصل حد التواطؤ، وتجاهل المنظمات الدولية جرائم النظام التركي، تواصل قوات أردوغان، وللمرة الخامسة عشرة منذ احتلالها مدينة رأس العين وأريافها، في تشرين الأول 2019، استخدام المياه كسلاح ضد المدنيين، وحرمان ما يزيد على مليون من أهالي الحسكة وأريافها من مياه الشرب، من خلال قيامها بقطع المياه عنهم من مصدرها الرئيسي في محطة علوك والآبار المغذية لها، وذلك كعقاب لهم على مواقفهم الداعمة للحكومة، والرافضة للاحتلال التركي والأمريكي.

 

جريمة ضد الإنسانية

المجموعات الإرهابية المسلّحة، وبمختلف مسمياتها وتبعياتها، استخدمت سلاح المياه خلال فترة الحرب، وخاصة ضد المدنيين في دمشق وحلب، وعمدت إلى تلويث مياه الشرب وقطع المياه مراراً وتكراراً عن الأحياء السكنية. واليوم تعيد قوات أردوغان استخدام السلاح نفسه تحت مزاعم أن الخطوة تأتي رداً على قطع ما يسمّى “الإدارة الذاتية”، المدعومة من الاحتلال الأمريكي، الكهرباء عن مدينتي رأس العين وتل أبيض وأريافهما المحتلة، أي أن المدنيين أضحوا بين خيارين أحلاهما مرّ، إذ يقعون ضحية بين المحتل التركي والمحتل الأمريكي وأتباعهم وأدواتهم في المنطقة.

“دواعش أردوغان” عمدوا لإغلاق محطة “علوك” لابتزاز الدولة السورية، والضغط على ميليشيات “قسد” العميلة، وربما لتبرير احتلال أراض سورية جديدة، وهو السلاح نفسه الذي يستخدمه أردوغان عبر قطع مياه نهري دجلة والفرات بصفة متكرّرة، ومن خلال بناء السدود على النهرين، وخاصة “أتاتورك” و”إليسو”، ما يجعله يتحكّم في حصص المياه التي تصل إلى سورية والعراق، إذ أدت السدود التي بناها ويبنيها على نهر الفرات إلى تراجع حصة سورية من النهر إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دولياً، فيما تسبب سد “إليسو” في انخفاض حصة العراق من مياه دجلة بنسبة تصل إلى 60%.

ومع حالة الصمت العالمي، والذي لا يتناسب وحجم الكارثة، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات، إذ أطلق مغردون وسمي “أنقذوا الحسكة” و”الحسكة تموت عطشاً”، لتسليط الضوء على ما يجري، والضغط على أردوغان من أجل حل الأزمة في أسرع وقت ممكن. وحمّل مغرّدون النظام التركي وأدواته مسؤولية قطع المياه عن المحافظة، فيما حمّل آخرون ما يسمّى “الإدارة الذاتية” مسؤولية انقطاع المياه بسبب قطعها الكهرباء عن رأس العين وتل أبيض وأريافهما، فيما تداول أهالي الحسكة صورة لرجل ثمانيني يستعير كرسي الإعاقة من ابنه، لينقل به 20 ليتراً من المياه، في ترجمة لحالة الخدمات المتردية في المحافظة، بفضل سياسات الاحتلال الأميركي والتركي، في وقت روّجت محاولات أخرى لصور ورسوم تعبيرية تسهم في لفت انتباه العالم إلى أزمة عطش حقيقية تعيشها المدينة وريفها، ولكن ما من مجيب.

 

مشكلة مستمرة تبحث عن حلول

الأحد الماضي، تمّ الإعلان عن بدء تغذية محطة علوك بالتيار الكهربائي، إلا أن المحتل التركي لم يضخ المياه، ولم تصل قطرة واحدة إلى الخزانات الرئيسية، لتبقى المشكلة قائمة دون أي حل يبعد شبح العطش المتواصل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع خاصة في الأحياء الشمالية من الحسكة، بسبب تعمّد النظام التركي تخفيض الوارد المائي إلى أقل من 10%، واقتصار الضخ على مضخة واحدة من أصل 10، ما جعل من تشغيل المحطة وهمياً، وينذر بكارثة إنسانية لنفاد أغلب الكميات المخزّنة من مياه الشرب، وعجز الصهاريج عن تلبية احتياجات السكان.

النظام التركي- وبعد أسابيع من تخفيض الوارد المائي والتحكّم به، عمد إلى قطع المياه بالكامل منذ 13 آب الحالي. ومنذ أكثر من شهر انخفض وارد المحطة من 100 ألف متر مكعب إلى 40 ألف، وتدريجياً إلى 20 ألف، وأخيراً إلى 10 آلاف متر مكعب، وصولاً للقطع التام، ليحرموا بذلك السكان من المصدر المائي الوحيد.

 

حراك حكومي وشعبي لتأمين المياه

ومع اشتداد المأساة السكان، سارعت الجهات الحكومية لتأمين المياه الصالحة للشرب لأبناء المدينة، تخفيفاً من معاناتهم قدر المستطاع، ووفق الإمكانيات المتاحة ومصادر المياه المتوافرة، حيث أمّنت، بالتعاون مع المجتمع الأهلي، عدداً من الصهاريج لنقل وتعبئة مياه الشرب، أما بالنسبة لمياه الاستخدامات المنزلية فتمّ تأمينها عن طريق الآبار السطحية، التي حفرت في الشوارع، ووصل تعدادها إلى نحو 300 بئر.

بالتوازي، تحرّكت الحكومة السورية دبلوماسياً، ووضعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بصورة الوضع المأساوي في المدينة، وطالبته، على لسان المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة، الدكتور بشار الجعفري، بالتدخل بشكل فوري وبذل مساعيه لوقف جريمة النظام التركي، مؤكداً “أن السلوك العدواني التركي يشكّل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”.

 

جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية

ممارسات النظام التركي بحق المواطنين السوريين في مدينة الحسكة، وحرمانهم من مياه الشرب، ولا سيما في ظل المناخ الحار والارتفاع الكبير في درجات الحرارة إلى أكثر من 45 درجة مئوية، وتصاعد الإصابات بجائحة “كوفيد 19″، إذا ما أضيفت إلى سرقة المحاصيل الزراعية في منطقة الجزيرة، وحرق ما لم تصل إليه يده منها، بغية الوصول إلى الإخضاع الاقتصادي أو المائي، وسرقة ممتلكات المواطنين والمعدات في المنشآت الحيوية، تصنّف قانونياً “جريمة حرب”، وفقاً لميثاق روما لعام 1998 واتفاقية جنيف الرابعة لحماية حقوق المدنيين وقت الحرب، و”جريمة ضد الإنسانية”، وفقاً للمحكمة الجنائية الدولية، وجريمة “إبادة جماعية”، بحسب اتفاقية الأمم المتحدة عام 1948، ولكن اللافت صمت المنظمات المعنية، إلا من رحم ربي، على هذه الممارسات المشينة واللاإنسانية، ووقوف ما يسمّى “المجتمع الدولي” ساكناً لا يحرّك قيد أنملة.

استخدام النظام التركي المياه كسلاح عمل بربري، وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان الأساسية يستدعي من منظمة الأمم المتحدة والدول الحرّة في العالم التحرّك فوراً لوقف هذه الانتهاكات، وإنقاذ حياة مئات الآلاف من أهالي المدينة وريفها، وردع غطرسة المحتل التركي التي ستؤول إلى كارثة بشرية تهدّد السلم وأمن المنطقة ومستقبلها، والضغط على نظام أردوغان للسماح لعمال محطة علوك بالدخول إليها والإشراف على عمليات الضخ، منعاً لتوقّفها أو توقيفها.

الاحتلال التركي يتحّكم بمصادر المياه، وميليشيا “قسد”، العميلة للاحتلال الأمريكي، تتحكّم بالكهرباء، ومليون مواطن يدفعون ثمن الصراع والابتزاز السياسي بين طرفين يسعيان لتحقيق أجنداتهما وأجندات مشغليهما، غير آبهين بمأساة الباحثين عن قطرة ماء.. والحل بتحرير المنطقة، وعودتها إلى حضن الوطن، بجهود أبنائها ودعم الجيش العربي السوري.