مجلة البعث الأسبوعية

خيارات الاستغناء تلوح بالأفق.. أجندة مستلزمات أيلول تفرض نفسها كاستحقاق سنوي

“البعث الأسبوعية” ــ ديانا رسوق

دخل المواطن السوري العام 2020 دون أدنى علم بما يخبئه له من مفاجآت وأعباء فريدة من نوعها, مبتدءاً حلقته الأولى مع نفقات مجابهة وباء كورونا من الكحول والكمامات الطبية والمعقمات، بالتوازي مع اتباع إجراءات وتدابير وقائية فرضت تخفيض عدد العاملين وساعات العمل وفقدان العمال المياومين لأجورهم حينها, ليحين دور الحلقة التالية المتمثلة بارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة إلى مستويات غير مسبوقة، انعكست بالضرورة على واقع الأسعار التي وصلت إلى نقطة ارتفاع لم تتزحزح عنها رغم الانخفاض الملحوظ بسعر صرف الدولار لاحقاً، ليدخل المواطن بعدها مواسم الأعياد وأعباء تأمين مستلزماتها من حلويات وألبسة وغيرها مقومة على سعر صرف لم يشفع انخفاضه بأن يعيد التجار النظر بأسعار ما يوردونه من سلع ومنتجات، ولاسيما الأساسية منها، لتتوالى بعدها حلقات الضغط المعيشي وما تحمله في طياتها من وخزات تجاوزت الخط الأحمر للمعيشة، من قبيل فقدان مادة الزيت من السورية للتجارة، وموجة غلاء أسعار الدجاج وبيض المائدة, لتزداد حدة الوخز مع اقتراب موعد حلقة أيلول مصطحبة معها موسم افتتاح المدارس والمؤونة وتأمين مازوت التدفئة..!

 

شهر الأعباء

يتحضر المواطن، عادة، لشهر أيلول بما يحمله من نفقات مؤونة، ومستلزمات مدرسية وقرطاسية، وتأمين مادة مازوت التدفئة، لكنه هذا العام يأتي أشد قسوة في ظل تدني القوة الشرائية بشكل أكبر مما كانت عليه خلال السنوات الماضية، فالأعباء في تصاعد مستمر، والدخل الشهري ثابت لم يطرأ عليه ما ينبئ بزيادة أو تحسن يمكّن من مجابهة الضغوط المعيشية الصعبة, وفي ظل هذا الوضع أضحى المواطن غير قادر على الموازنة بين احتياجاته ودخله، ليكون بالنهاية أمام خيار الاستغناء عن الكثير من الاحتياجات..!

 

لا مؤونة هذا العام..!

التقت “البعث الأسبوعية” مع عدد من المواطنين للوقوف على كيفية تعاطيهم مع الضغوطات والأعباء، والالتفاف عليها بما يتخذونه من تدابير، لتتقاطع إجابات أغلبيتهم بأنه لا مؤونة لهذا العام نتيجة تضاعف الأسعار لدرجة لم تعد تحتمل، فتكاليف تحضير المكدوس – على سبيل المثال لا الحصر – أضحت غير محتملة، في ظل ارتفاع سعر صفيحة الزيت إلى مئة ألف ليرة سورية, وكذلك سعر الجوز المتراوح ما بين 15000 – 18000 ليرة للكغ، ناهيك عن المكونات الأخرى الضرورية من فلفل أحمر وباذنجان, هذا ولم نتكلم عن مؤونة البامياء والملوخية والمربيات التي اعتادت عليها الموائد السورية في فصل الشتاء، والتي غالباً ما ستغيب هذا العام..!

 

لا مناص..!

في الوقت الذي اضطرت أُسر كثيرة للاستغناء عن المؤونة، أو تأمين الحد الأدنى منها، يجد أربابها أن ثمة مستلزمات يفرضها موسم أيلول لا يمكن إزالتها من أجندة الاحتياجات، إذ يفرض بند متطلبات التعليم نفسه بقوة كاستحقاق سنوي لا مناص منه، ليبقى أمام المستهلك خيار التحايل على صرفيات هذا البند من خلال الاكتفاء بالحد الأدنى من القرطاسية، وتوخي الأرخص منها بغض النظر عن الجودة، ولاسيما عندما تبين لـ “البعث الأسبوعية” خلال جولتها على بعض أسواق دمشق أن سعر المريول المدرسي للمرحلة الابتدائية 6000 ليرة سورية, وأن سعر القميص المدرسي للمرحلة الإعدادية والثانوية، الصبياني منه والبناتي، يتراوح بين 9000 و11000 ليرة، والبنطال المدرسي بـ 10000 ليرة وما فوق, أما أسعار الحقائب فتتراوح ما بين الـ 12000 و20000 ليرة، دون أن نتطرق لمستلزمات القرطاسية وغيرها، وبذلك فإن تكلفة مستلزمات الطالب الواحد تقارب الـ 50000، وبالتالي كيف سيكون وضع الأسرة التي لديها ثلاثة طلاب..؟

وبالرغم من بلاغ وزارة التربية حول عدم التشدد باللباس المدرسي، إلا أن أسعار الملابس العادية لا تقل تكلفة عنها، لا بل قد تزيد.. هذا ما لفت إليه والد لثلاثة أولاد، اثنان منهما في المرحلة الإعدادية والثالث في المرحلة الابتدائية، مبدياً حيرته لمدى إمكانية راتبه في تأمين مستلزمات أولاده المدرسية, وتحمل مصاريف الشهر، علماً أنه تم الاستغناء عن العديد من متطلبات أيلول، والاقتصار في المقتنيات المدرسية على الضرورية منها..!

 

زيادة الرواتب غير مجدية

في خضم هذا المشهد المتلاطم بمفارقاته، وأمام دعوات الكثيرين لزيادة الرواتب، اعتبر الاقتصادي الدكتور زكوان قريط أن زيادة الرواتب والأجور أمر غير مجد، ولن يكون مؤثراً بالوضع الراهن، وأن الحل يكمن بالدرجة الأولى بتدخل إيجابي استثنائي للحكومة بدءاً من تخفيض أسعار المواد وضبط الأسواق، والعمل على توسيع شريحة الدعم عبر البطاقة الالكترونية وتوافر المواد المدعومة (رز – سكر – زيت – شاي)، بحيث تمتص طوابير المستهلكين على منافذ “السورية للتجارة”، وضرورة اعتماد القرطاسية على البطاقة الإلكترونية أيضاً، ومتابعة عدد المستفيدين منها لمعرفة مدى إيجابية هذه الخطوة. ولفت قريط إلى إمكانية اعتماد “السورية للتجارة” استراتيجية مخططاً لها لزيادة عدد المستفيدين من الدعم الذي تقدمه من خلال منح قرض للموظف الحكومي ليتمكن من الحصول على المواد التي تلزمه واستيفائها المبلغ المستحق من الراتب على دفعات.

أما بالنسبة لموظف القطاع الخاص فخطة المساعدة تلك من الممكن أن تشمله من خلال وضع شرط بأن يكفله موظف حكومي، فبذلك يمكن تخفيف العبء عن المواطن ومساعدته على تأمين الحد الأدنى من احتياجاته الموسمية على الأقل.

 

أين التشديد؟

وبالعودة إلى ما طرحه قريط حول ضبط الأسعار، أشارت مصادر حكومية إلى أن تحقيق هذا الأمر يكون عبر تشديد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على بيانات الاستيراد، لمعرفة التكاليف الحقيقية للمواد المستوردة، وإعطائها هامش ربح منصف للتاجر والمستهلك، ومن ثم متابعة انسيابها في الأسواق، وضمان وصولها للمستهلك بسعر متوازن ومنطقي.. هذا بالنسبة للمواد المستوردة، أما فيما يتعلق بالمنتجات المحلية، وتحديداً الزراعية منها، فقد أكدت المصادر أن البداية يفترض أن تكون من أسواق الهال، من خلال الاشتغال على تحديد آليات تسعير تتواءم مع ما يورد إليها من منتجات زراعية، لا أن يبقى الأمر رهن سماسرة السوق وتجاره، فكسر حلقة سوق الهال ستنعكس بالضرورة على تخفيض الأسعار، بدليل أن انتشار ظاهرة بيع الخضار والفواكه وبعض المواد الاستهلاكية والغذائية وسط التجمعات، سواء أمام المساجد يوم الجمعة في أغلب مناطق محافظات القطر، أم على أرصفة الطرقات، باتت تشكل متنفساً حقيقياً لأغلب شرائح المجتمع للهروب من الأسعار الكاوية في الأسواق العادية المعتمدة التي تستجر بضائعها من سوق الهال المركزي، حيث تنخفض أسعار الباعة المنتشرين بين جمهرة المتسوقين بنسبة تتراوح ما بين 25 – 50% عن نظرائهم في الأسواق..!

 

مجهولة المنشأ..!

بغض النظر عن موقفنا من هذه الظاهرة – سلباً أم إيجاباً – ولاسيما أن أغلب من التقينا معهم أكدوا أنهم يشترون احتياجات أسرهم لمدة أسبوع من هذه الأسواق المتنقلة – على حد تعبيرهم – كون أسعارها مناسبة جداً، إلا أن ما نود الإشارة إليه أن هناك بعض المواد الغذائية المصنعة محلياً مثل الألبان والأجبان، إضافة إلى الحلوى المكشوفة .. إلخ، تباع على الأرصفة وتفتقر في كثير من الأحيان إلى النظافة، إلى جانب أنها مجهولة المنشأ، ولا يعرف مدى مطابقتها للشروط الصحية، رغم أن أغلب من التقيناهم أكدوا أنهم يشترون، كل يوم جمعة من الباعة أنفسهم – والألبان والأجبان خاصة – مشيدين بنظافتها ولذة طعمها.. والأهم انخفاض سعرها.

أحد المواطنين أكد أنه رغم وجود بعض المظاهر السلبية، مثل عدم معرفة مصدر ومنشأ البضائع، إلا أنها ليست بالمعضلة الكبيرة لأن الباعة يخشون فقدان زبائنهم في حال مارسوا أساليب الغش والتدليس، وهم يبيعون كامل بضاعتهم كونهم يربحون القليل عكس ما نلاحظه في الأسواق.

مواطن آخر أشار إلى وجود بعض المواد المقلدة لماركات مشهورة في الأسواق، مثل البسكويت الذي يباع فرطاً غالب الأحيان، لكنه اعتبر الأمر طبيعياً كونه يأخذ ما يكفي أولاده ويزيد على مدار الأسبوع.

في مقلب آخر، أبدى أصحاب المحال المتاخمة لهذه الأسواق انزعاجهم، معتبرين أن أرباحهم في حدود المعقول جداً، لكن سر انخفاض ربح نظرائهم من الباعة المتنقلين والجوالين هو عدم ترتب أية أعباء مالية إضافية عليهم، مثل أجرة المحل وضرائب المالية والبلدية وغيرها.

 

برسم الوزارة..!

ما سبق طرحه يضع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على محك اجتراح آليات وبرامج عمل استثنائية لضبط واقع الأسواق، فهي المعني أولاً وأخيراً بهذا الموضوع وما يتطلبه من كوادر نزيهة وكفوءة، وإلا فإن وجودها وعدمه سيان..!.