ثقافةصحيفة البعث

هل يصبر الإنسان لحظة عن الحلم؟

حلب – غالية خوجة:

كيف تُظهر الأزمنة ما تُغيّبه في الذات الإنسانية والذاكرة الجمْعية؟ وكيف يعبّر الفنان عن متغيّرات الزمان في أعماق “الأنا”، ومتحولات المكان؟ وكيف تعلّمنا المعاناة والآلام والآمال الصبر على أزمنة القهر والفقر والجوع والمرض، موقنين بالضوء المنتصر منذ البداية؟.

سنة 2020 كبعد زمني لا تقبل القياس لتكون قصيرة أو طويلة، لأن الزمن حاسة استشعارية تختلف بشعورها الذاتي وإحساسها النابع من ثقافة كل إنسان، لكنها بأحداثها الخاصة والعامة، تجعلنا في لحظة تساؤلية عن الصبر وأشكاله الفيزيائية، الجسدية، والاحتمالية، فربما صبرنا عن الطعام 10 أيام، لكن هل نستطيع الصبر عن الحلم لحظة واحدة؟.

يجيبنا عن أكثر هذه الأسئلة المعرض التشكيلي الحلبي الجماعي “2020 بين الواقع والحلم”، الذي افتتح أمس في صالتي الأسد والخانجي للفنون الجميلة بحلب. لكن، ماذا تعني للفنان سنة 2020؟ هذا ما يجيبنا عنه الفنانون الحلبيون المشاركون في معرضهم الحالي، الذي يقيمه اتحاد الفنانين التشكيليين (فرع حلب) بالتعاون مع مديرية الثقافة واتحاد الصحافيين بحلب، ويشارك فيه 45 فناناً تروي لوحاتهم حكايات مختلفة وأحداثاً متنوعة، تنطلق من المعاناة الذاتية والموضوعية التي عانتها سورية مع الإرهاب، ومنها مدينة حلب، لكنها ظلّت منتصرة عليه بكافة أشكاله، وهذا ما تثبته الحركة الثقافية والفنية النشطة كانتصار دائم.

تنوّعت الأساليب والأشكال في الأعمال المعروضة، لكنها جمعت بين الواقعية والسحرية والرومانسية والطبيعية والسوريالية والتجريدية والحروفية، إضافة إلى تسرّب أصوات الآلام والآمال من الألوان الحالمة بالمحبة والسلام.

الفنانون المشاركون: إبراهيم داود، أحمد قاسم، أحمد ناصيف، آدم كردي، أصلان معمو، أماني سواس، باسل الأحمد، بسام بيضون، تيسير قواف، جوزيف كبابة، حنيف حمو، خلدون الأحمد، روجين محمد، ساركون بولص، صلاح الدين الخالدي، عبد القادر منافيخي- نحت، عصام حتيتو، فيصل تركماني، محمد زاهر عيروض، محمد يمان غنام، محمود الساجر، ممدوح عباس، نجلاء دالاتي، ابتسام الناشف، ابتسام مجيد، إبراهيم علي، آية شحادة، آية عقيلي، أيمن الأفندي، برهان عيسى، ديما عنتابي، زكريا محمود، سوزان الحسين، رزان السعدي، شادي خليلي، شكران بلال، شيرين علو، صبا عزيزي، عبد المحسن خانجي، غسان ديري، لوسي مقصود، نجدت قلعه جي، نجيب شعار، نوار استانبولي، ولاء وزان.

وللمتلقي أن يكتشف كيف تبزغُ الأحلام من واقع حياتي يومي يبدو مدمَّراً، ومدمِّراً، لكنه في بنيته العميقة متماسك بصموده وتحدّيه وإصراره على القبض على المستقبل، كما تقبض اللوحات على زمنها ومفرداتها وعناصرها ودلالاتها اللونية وصمتها المتحوّل إلى شخوص مجسّدة بالأنثى والمكان والبيت والأشكال الهندسية والحروف العربية.

والملفتُ أن الإنسان السوري، لم يفقد بوصلة الروح وجهات الثقة، وهي ثيمة متجذّرة في أعماقه، لذلك تأتي الأعمال لترسم هذه الهالة الطيفية بشعاع داخلي متواصل مع السماء وألوانها رغم القذائف المتساقطة على الناس والأبنية والحدائق والمعابد، كما في لوحة كلٍّ من صلاح الدين الخالدي وحنيف حمو، ورغم العدالة معصوبة العينين والتي تنظر إليها حمامة السلام بحزن ويأس وأمل كما في لوحة باسل الأحمد، ورغم الفقد والفقدان، ورغم الموت المجسّد باللون الأحمر وتدرجاته، واللون الأسود ودلالاته، واللون البني المحجور في أشكال الدمار، كما في لوحة كلٍّ من محمد يمان غنام، ونجلاء دالاتي وأصلان معمو. رغم ذلك كله تتخذ الألوان، من جهة حالمة أخرى، ومن جهة واثقة أخرى، أشكالاً وتدرجات متنوعة تشرق من أنساقها أحلام الأرض المشخصنة، والنباتات المتحدة بلونها الأخضر المتدرّج كما في لوحة إبراهيم داود، وإزهارها من أعماق اليباس والعطش والصرخة كما في لوحة محسن خانجي، وازدهار رموزها المختلفة المتحركة مع مكونات الأعمال الأخرى المشاركة في المعرض، مثلاً: حركة الأجساد البشرية الملتصقة أجسادها بالأرض، والمرتفعة بملامحها نحو السماء، إضافة لحركية الرموز من تماوجات حروفية، ولونية، وظلالية، وإيحائية، تختار لفراغاتها الحديث المتواصل عن الحب والوطن، وتختار لكتلها التواتر بين الصمت والصوت، لتبدو الأعمال مجتمعة وكأنها تنشد “حلب في عيوني”.