ثقافةصحيفة البعث

رواية “دموع الريحان”: صراع الحب والحرب

“مرت أيام عشق ريحانة، وشقت مراكب الوله عباب الأشهر ليتعب الشوق من حبها، وتاهت ليالي العشق في مساءات الغزل”، هذه ريحانة بطلة رواية الكاتبة ميساء محمد التي حملت عنواناً يشي برومانسية المطر ودفء القلب “دموع الريحان” الصادرة عن دار بعل، وقد تم توقيعها في المركز الثقافي العربي “أبو رمانة” ضمن ندوة نقدية طالت العناصر الفنية والحدث الأساسي الذي أطلق شرارة البركان، إلا أنه أثار جدلاً بين المبالغة والواقعية بمشاركة الناقدين أحمد نصار، وسامر منصور، بإدارة قتادة الزبيدي.

تعرّفنا إلى أجواء الرواية من تقديم الزبيدي لمحات خاطفة عنها طالت المنحى العام، والشخصيتين الأساسيتين ريحانة والطبيب ماهر، وتحدثت عن الصور الشعرية التي وظّفتها الكاتبة في القصة الغرامية التي نشأت خلال الحرب والدمار والموت، وانتهت باستشهاد البطل ماهر: “عند حدود النور سيصرخ الزنبق.. هذا وطني منبع النور، هذه عبارة كانت عنواناً على شاشة هاتف ماهر فأصبحت شاهدة قبره”، مركزة على ما قالته الكاتبة: “سنستمر في الرسالة رغم محاولة قتلها”.

مسبارية المرأة والرجل

وتوقف الناقد سامر منصور عند شخصية ريحانة بطلة الرواية، فهي تخضع لضغوط المجتمع الشرقي المحمّل بذهنية سيطرة الرجل، إذ خضعت لسلطة الأب وتزويجها من رجل لا تحبه، فالنتيجة كانت الطلاق، في الوقت الذي كانت تحلم فيه بالأمان، وتتعرّض لانكسار آخر باستشهاد أخيها، ثم انتقل إلى العناصر الفنية من حيث خلق الشخصيات وقراءتها وسيرورتها النفسية، وصولاً إلى الصراع بينها، وتصاعد الحبكة وصولاً إلى الذروة، فتعتمد الكاتبة على طرح أسئلة ناسجة عنصر التشويق بالتنبؤ بمواقف الشخصيات، فيمكن للقارئ أن يتنبأ بردود فعل ريحانة، وهذا يقتل عنصر التشويق لكشف سلوكيات الشخصية من وصفها، والأدب ليس تقديم الواقع كما هو، وإنما رحلة الخيال لإيصال الواقع بمعنى تحليلي أو استشرافي، والغوص بالخلفية والتفنيد، والذهاب بطريقة مسبارية بسبر أغوار المرأة والرجل.

وتوقف عند شخصية حسام الذي كشفت الكاتبة أبعاد الشخصية بسلوكياته الوقحة، وخروجه عن اللياقة الرسمية، حاول إفساد العلاقة بين ريحانة والطبيب ماهر، ما أحدث قفزة بعنصر التشويق، ليصل منصور إلى أن فنية الكتابة بالإيحاء وليست بالتصريح.   أما حامل اللغة فوظّفت فيه الكاتبة لغتها الشعرية باستقطاب تراكيب وعبارات تفجر قدرة اللغة العربية بالتأثير: “الذكرى روح أخرى تنبض بروح الرجوع”.

ووجّه الناقد منصور أيضاً بعض الملاحظات التي أوغلت بالمبالغة مثل إصابة ذراع سالم الجندي باثنتين وعشرين رصاصة مع نزف شديد وبقي على قيد الحياة، واستغرب أيضاً من وقوع الطبيب ماهر بغرام ريحانة من خلال مكالمة هاتفية وسماع صوتها، والأغرب وقوع رئيس المركز الطبي أيضاً بحبها حين سماع صوتها، وكذلك حسام، وهم أطباء ومن النخبة، مبيّناً أن الحالة الصوتية ليست كافية لحالة غرامية.

حركة المرور الداخلية

أما الناقد أحمد نصار فقدم رؤية تحليلية للرواية طالت المكاشفة الجوانية بين الكاتب وذاته، وبينه وبين الشخصيات، ولغة التحفيز والتناغم الصوتي، مبتدئاً بحركة المرور الداخلية من العنوان الذي يحمل أسلوب التشويق من خلال التضاد بين الفرح والحزن، فالدمع تعبير عن الحزن، بينما الريحان لا يدمع، غوصاً بالأنسنة، وهذا انسجام بين الشكل والمضمون، كما افتُتحت بفاتحة نصية ذات وصف جمالي، وبحدث جلل بالموت على يد داعش وجبهة النصرة، “فهو الإرهاب استوطن في تلك القرية الوادعة”، فيجد القارئ نفسه أمام مسار خط سياسي يشير إلى الحرب السورية بمغادرة ريحانة وعائلتها إلى دمشق، فطالت البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بتعايش حالة عشقية في أوضاع صعبة، وخلال المتن الحكائي تكشف معضلة الرواية، فالبطل ماهر متزوج وزوجته مريضة ولديه أطفال، في الوقت ذاته يطمح للزواج بريحانة ويصارح زوجته، فيظهر صراع جديد بين زوجته وريحانة،  وجاءت نهاية الرواية بشكل مباغت فأوجدت الكاتبة حلاً لنهاية الصراع باستشهاد ماهر، واستطاعت ربط الحدث بالأحداث الكبرى.

انفصام عن الواقع

حظيت الندوة بمداخلات عديدة، إذ صنف الناقد أحمد هلال الرواية بأنها من زمن روايات الحرب السورية التي تقوم على عكسيات شخوصها، وهزّ المضمرات، وتغير الأنساق برؤيتها، منوّهاً إلى أنه ليست اللغة وحدها حامل الرواية من حيث تنويعات السرد، فالراوي العليم الذي يحمّل شخصياته وجهة نظره ضمن المحمول الدلالي، وأشار إلى غياب الفصول، وهذا يدخل ضمن المغامرة الإبداعية. في حين رأت مديرة المركز رباب أحمد الرواية بأنها مساحة لحلم رومانسي في خضم الحرب وعنفها بأسلوب رفيع بالتوصيف ينم عن ثقافة أنثى وثّقت الواقع الاجتماعي لحالات إنسانية عاشت معاناة الحرب برومانسية تنفصم عن واقع أكثر قسوة. وعقبت الكاتبة أنها لابد وقعت في أخطاء من حيث العناصر الفنية كون الرواية المنتج الروائي الأول بعد كتاباتها الشعرية، إلا أن أحداث الرواية واقعية، لاسيما فيما يتعلق بفجائعية الحرب، وردت على الناقد سامر منصور بأن الأرواح تتلاقى قبل الجسد.

ملده شويكاني