مجلة البعث الأسبوعية

من الحرب التجارية إلى الحرب الصحية إلى حرب اللقاحات!! “سبوتنيك v” يعزز النفوذ الجيوسياسي لروسيا.. أعظم اختراقاتها العلمية منذ الحقبة السوفيتية!

“البعث الأسبوعية” ــ هيفاء علي

حقق اللقاح الروسي “سبوتنيك v” – المتهم في البداية بأنه “تم تطويره على عجل وبدون شفافية” – نجاحاً عالمياً وتصدر المرتبة الأولى من بين اللقاحات الثلاثة الأولى من حيث الفعالية، ما أدى إلى تعديل البطاقات في التسلسل الهرمي العالمي للقاحات ضد فيروس كورونا. ووفقاً لوكالة الأدوية الأوربية، فان نتائج التطعيم بلقاح “سبوتنيك v” كانت فعالة بنسبة 95% إزاء أعراض كورونا، أي أعلى بكثير من فعالية لقاح “ازيترا زينيسا” اكسفورد، والذي بلغت فعاليته حوالي 60٪.

وبحسب وكالة الأدوية الأوربية، فإن كلا اللقاحين “ناقل فيروسي” يعتمد على فيروسات أخرى تم تكييفهما لمحاربة الفيروس. ولكن بينما يعتمد لقاح “ازيترا زينيسا” على فيروس غدّي شمبانزي واحد، يستخدم لقاح “سبوتنيك v” نوعين مختلفين من الفيروسات الغدية البشرية لكل حقنة من حقنتين، إذ يمكن أن يؤدي هذا إلى استجابة مناعية أفضل. وأكد كيريل ديميترييف، مدير الصندوق السيادي الروسي، الذي شارك في تطوير اللقاح، أن اللقاح الروسي هو “الأفضل في العالم من حيث الفعالية والأمان والسعر والخدمات اللوجستية”. حيث أعلنت شركة “جونسون اند جونسون” مؤخراً، أن فعالية لقاح الناقل الفيروسي لديها تبلغ 66٪ بشكل عام، وبشكل خاص 85٪ في الوقاية من الأشكال الخطيرة. أما فعالية اللقاح الصيني “سينوفارم” الذي يستخدم تقنية الفيروس المعطل الكلاسيكية، فهي بنسبة 79٪؛ ولكن من غير المعروف على وجه اليقين إلى أي مدى تحمي هذه اللقاحات كبار السن، وهم أكثر فئة سكانية معرضة للخطر، وبشكل خاص من تزيد أعمارهم عن 65 سنة، فهم معرضون للوفاة، وقد تم تقديم أكثر من 100 مليون جرعة في جميع أنحاء العالم، بعد أقل من شهرين من إطلاق حملات التطعيم الجماعية الأولى في أوائل كانون الأول، وفقاً لتقرير وكالة الأنباء الفرنسية.

وكان الصندوق السيادي الروسي، الذي شارك في تطوير لقاح “سبوتنيك v”، قد أعلن في 20 كانون الثاني، أنه بدأ عملية الاتفاق مع وكالة الأدوية الأوروبية “EMA” بشان الدول التي طلبت من موسكو الحصول على اللقاح، وهي ستة عشر دولة: الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل بيلاروسيا وأرمينيا، وحلفاء مثل فنزويلا وإيران، وكوريا الجنوبية والأرجنتين والجزائر وتونس وباكستان.

أما الصين فقد بدأت في التطعيم في وقت مبكر من الصيف الماضي، وبدأت مختبراتها بإنتاج العديد من اللقاحات وأكثرها تقدماً، وهو لقاح “سينوفارم” و”سينوفاك”؛ وبالإضافة إلى هذه اللقاحات التي تمت إدارتها بالفعل بناءً على تقنيات مختلفة، يتم اختبار 58 لقاحاً على البشر في التجارب السريرية، وفقاً لأحدث إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

وبحسب الخبراء، عادةً ما يستغرق تطوير لقاح جديد وتقديمه إلى السوق ما متوسطه عشر سنوات، ولكن تم تقليص هذه المدة إلى أقل من عام بالنسبة للقاح الصيني المضاد لفيروس كورونا بفضل تسريع البحث والإنتاج الصناعي والتقييم، بدعم من التمويل الحكومي الهائل. ففي سباقها العالمي لتصنيع لقاح ضد فيروس كورونا، تفتخر الشركة الصينية الحكومية بإعطاء موظفيها، بما في ذلك كبار المسؤولين التنفيذيين، الحقن التجريبية قبل أن توافق الحكومة على اختبارها على المواطنين. ولكن ما مدى فعالية هذه اللقاحات ضد الطفرات المتحورة؟

حقيقة، يزعج هذا السؤال المتخصصين لأن الطفرات الأكثر عدوى من فيروس كورونا الكلاسيكي يمكن أن تحل محله في النهاية. وفي حين أن الفيروس المتحور الذي تم اكتشافه في البداية في إنكلترا مثير للقلق، فإن المخاوف المتعلقة باللقاح تركز على متحور آخر، ظهر في جنوب إفريقيا. اذ يبدو أن إحدى الطفرات التي يحتوي عليها تجعل اللقاحات أقل فعالية، وفقاً للعديد من الدراسات المختبرية. هذا الأمر يهدد سوق اللقاحات العامة المربح الذي تطمح إليه شركات الأدوية الكبرى بمليارات الدولارات.

ومع ذلك، أكدت شركة موديرنا الأسبوع الماضي أن لقاحها كان فعالاً ضد المتحور البريطاني وضد المتحور في جنوب إفريقيا، ولكن بدرجة أقل. لذلك ستعمل الشركة على تطوير جرعة معززة موجهة بشكل خاص ضد المتحور الجنوب أفريقي، في حين أكدت شركتا “بيون تك” و”فايزر” على الفور أن لقاحهما ظل فعالاً ضد الطفرات الرئيسية للطفرات التي ظهرت في بريطانيا وجنوب إفريقيا.

 

سباق مع الزمن

وكان بعض البلدان قرر تأخير الجرعة الثانية من اللقاح، في محاولة للتطعيم على نطاق أوسع، وإعطاء جرعة أولى لعدد أكبر من الناس قبل الانتقال إلى الثانية. وفيما يشبه سباقاً مع الزمن لتلقيح أكبر عدد ممكن من الناس في وقت ظهور الطفرات نفسه، قررت الدنمارك زيادة هذه الفترة إلى 6 أسابيع، والمملكة المتحدة إلى 12 أسبوعاً؛ ومع ذلك، فقد تم تصميم لقاح “بيون تك فايزر”، و”موديرما”، بحيث يتم إعطاء جرعتين على التوالي بعد 3 و4 أسابيع، ما يوحي بأن كل هذا هراء من الناحية العلمية والطبية والصحية.

لذلك يخشى المتخصصون من أن يؤدي التباعد الإضافي للجرعات إلى الإضرار بفاعلية اللقاح، أو حتى تعزيز ظهور طفرات جديدة بسبب الحماية الجزئية فقط للسكان. وفي أوائل شهر كانون الثاني، قضت منظمة الصحة العالمية بإمكانية تأجيل الجرعة الثانية “في ظروف استثنائية”، ولكن في حال تفجر الوباء، أو مشاكل الإمداد، شددت على ضرورة صناعة الأدوية، وأضافت أن الوقت بين الجرعتين يجب ألا يتجاوز ستة أسابيع. وكانت منظمة الأدوية الأوربية أكثر حذراً حيث أوصت بالالتزام بفترة ثلاثة أسابيع بين حقنتين من لقاح “بيونتك فايزر”، بينما قررت فرنسا، التي كانت تتوخى في البداية تأجيلاً إلى ستة أسابيع، احترام المواعيد النهائية التي قدمتها الشركات المصنعة.

 

ما هي الآثار الجانبية؟

تشير المنظمة إلى انه لم تكشف التجارب السريرية عن أي مخاوف تتعلق بالسلامة من اللقاحات الموزعة بالفعل، حيث تستمر “المراقبة عن كثب” من أجل الكشف عن الآثار الجانبية الخطيرة المحتملة التي قد تحدث على المدى الطويل. في الأسابيع الأخيرة، أبلغت عدة دول عن حالات وفاة بين كبار السن والمرضى الذين سبق وأن تلقوا لقاح فايزر؛ وبعد تحليل هذه الحالات، استبعدت أية “مخاوف تتعلق بالسلامة”، وأضافت المنظمة أنه يمكن أن تترك اللقاحات المضادة لكورونا آثاراً جانبية خفيفة ومتوقعة، مثل جميع اللقاحات، فـ “هذه اللقاحات تفاعلية تماماً وتحفز التفاعلات، ومستوى سلامتها مرضٍ، لكنها من ناحية أخرى تؤذي الذراع وتسبب الشعور بالإرهاق”، كما أوضحت الأخصائية الفرنسية ماري بول كيني في جلسة برلمانية.

 

القوة الجيوبيولوجية الروسية الناعمة

لفتت شركة بلومبرغ العالمية للخدمات الإخبارية إلى أن إعلان الرئيس فلاديمير بوتين، في آب الماضي، أن روسيا سمحت باستخدام أول لقاح لفيروس كوفيد-19 في العالم حتى قبل اكتمال تجارب السلامة، أثار في بداية الأمر شكوكاً عالمية واسعة، ولكن بوسع بوتين الآن حصد مكاسب دبلوماسية، حيث تتمتع روسيا بأعظم اختراق علمي لها منذ الحقبة السوفيتية. وها هي البلدان تصطف للحصول على اللقاح الروسي بعد أن أظهرت نتائج مراجعة نظرائه – كما نشرت في المجلة الطبية “ذا لانسيت” – أن “اللقاح الروسي يحمي من الفيروس القاتل، وهو أفضل من اللقاحات الأمريكية والأوروبية”، وبكفاءة أعلى بكثير من منافسيه الصينيين.

وعملياً، وافقت 20 دولة على الأقل على استخدام التلقيح “سبوتنيك v”، بما في ذلك المجر، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وصربيا، في حين أن الأسواق الرئيسية مثل البرازيل والهند على وشك السماح بذلك. وتتوجه روسيا الآن إلى السوق الأوروبية الثمينة، حيث تكافح الكتلة الأوروبية مع برنامج التطعيم وسط نقص في الإمدادات من شركة “بيغ فارما” الأنغلو -ساكسونية.

وعليه، في سياق المعركة العالمية لهزيمة الوباء، الذي أودى بحياة 2.3 مليون في غضون ما يزيد قليلاً عن عام، اكتسب سباق اللقاحات أهمية جيوسياسية، حيث تسعى الحكومات للخروج من فداحة الأضرار الاجتماعية والاقتصادية الهائلة الناجمة عن عمليات الإغلاق المفروضة للحد من انتشار الفيروس، مما يعطي روسيا ميزة بين الدول القليلة التي أنتج العلماء فيها لقاحاً فعالاً.

 

قرار بوتين الاستراتيجي

إن قرار بوتين تسمية اللقاح بـ “سبوتنيك v”، تكريماً لأول قمر صناعي في العالم، والذي أعطى إطلاقه، في عام 1957، للاتحاد السوفيتي انتصاراً مذهلاً على الولايات المتحدة لبدء سباق الفضاء، يؤكد على الأهمية التي توليها موسكو لهذا العمل الفذ، بعدما أظهرت نتائج التجارب المتأخرة التي أجريت على 20 ألف مشارك، والتي تمت مراجعتها في مجلة “لانسيت”، أن اللقاح حقق معدل نجاح بنسبة 91.6، إضافة إلى أن نجاح اللقاح قد يعزز النفوذ الجيوسياسي لروسيا في مناطق مثل أمريكا اللاتينية، حيث أثبتت بهذا اللقاح قدرتها على إنتاج شيء جديد مطلوب في جميع أنحاء العالم.

هذا وتعتبر قيود الإنتاج التحدي الأكبر الذي يواجه جميع الشركات المصنعة، حيث يتجاوز الطلب العالمي العرض بكثير، رغم ذلك تعد روسيا بلقاحات مجانية لسكانها البالغ عددهم 146 مليون نسمة.

 

الإنجاز الروسي في أمريكا اللاتينية

وقد شكر الرئيس المكسيكي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعهده بتقديم 24 مليون جرعة من “سبوتنيك v” في الشهرين المقبلين. وبعد ثلاثة أيام، تسلم الرئيس البوليفي لويس آرس بنفسه شحنة في مطار لاباز. وهكذا تثبت أمريكا اللاتينية أنها أرض خصبة لتصريف اللقاح، بينما أطلقت الأرجنتين، التي تكافح من أجل الحصول على لقاحات، برنامجها الشامل للتلقيح بعد تلقيها أكثر من نصف مليون جرعة من “سبوتنيك v” في كانون الثاني، ومن ثم انضمت إليها نيكاراغوا وباراغواي وفنزويلا.

 

غزو أفريقيا

وأصبحت غينيا أول دولة أفريقية تبدأ في الحصول على “سبوتنيك v” في كانون الأول، ويتوقع أن تتلقى 1.6 مليون جرعة هذا العام، كما أنها تجري محادثات للحصول على لقاحات صينية، بالإضافة إلى لقاح “ازيترا زينيسا”. وتعد زيمبابوي وجمهورية أفريقيا الوسطى وساحل العاج من بين العملاء المحتملين الآخرين لروسيا؛ ويمكن تخزين اللقاح الروسي في الثلاجة ما يسهل نقله وتوزيعه في البلدان الفقيرة والأشد حرارة، كما أنه أرخص سعراً من اللقاحات الأخرى الغربية بحوالي 20 دولاراً مقابل التطعيم بجرعتين.

 

روسيا تخترق أوروبا الغربية   

فيما يمكن أن يمثل أكبر اختراق محتمل للكرملين، طلبت روسيا من المنظمين الأوروبيين النظر في طلب تصريح الحصول على لقاح “سبوتنيك” بعد أن تعهدت ألمانيا بالمساعدة في تسريع العملية. وبينما يعرب كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن قلقهم بشأن بطء طرح اللقاح، منحت المجر بالفعل تصريحاً طارئاً، ووقعت اتفاقية للحصول على مليوني جرعة من لقاح “سبوتنيك v” مع أول 40 ألف لقاح تم تسليمها مؤخراً.. وقد تستغرق الموافقة الأوروبية عدة أشهر بسبب الحاجة إلى تقديم بيانات مفصلة، حسبما قال رئيس تحرير مجلة “لانسيت”، ريتشارد هورتون “أعتقد أن اللقاح الروسي سيكون متاحاً.. لكن ليس قريباً”. وبينما تقول روسيا إنها تتوقع أن يكون اللقاح متاحاً لـ 700 مليون شخص هذا العام، فإنها تواجه اختناقات في الإنتاج.