زواياصحيفة البعث

أكبر من رئيس وكونغرس

سنان حسن

على الرغم من كل الدعاية التي مارسها الديمقراطيون والميديا المواكبة لهم للتأكيد على أن عهد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن سيكون مختلفاً تماماً عن عهد سلفه دونالد ترامب في كل شيء، إلا أن الوقائع على الأرض حتى الآن تؤكد أن لا تغير جذرياً في السياسة الأمريكية في أي ملف من الملفات، بل على العكس من ذلك استخدام مباشر لسياسة الضغوط القصوى مع كلام كثير عن سياسة الدبلوماسية القصوى والتصريحات السياسية الماكرة والمخاتلة، فهل ما يحدث حتى الآن له علاقة بإرث ثقيل تركه ترامب ولا يمكن تجاوزه بالفعل، أم أن أمريكا تكرر نفسها مهما تبدّل وتلوّن الرؤساء فيها؟.

منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض تبين أن العديد من الملفات تحظى بمتابعة غير مسبوقة منه، سواء الاتفاق النووي مع إيران والعودة إليه، أو العدوان على اليمن وتوقفه نهائياً، لكن وفي الملف الأول وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي وإدارته أنهما عازمين على العودة إلى الاتفاق مع طهران إلا أن السياسات العنجهية، والتي مازالت هي المسيطرة والسائدة، ترفض التنازل، وتطلب من طهران العودة إلى اتفاق لم تخرج منه، وتروّج للرأي العام الدولي أن طهران بالفعل هي من ترفض العودة إلى الاتفاق، وتلك سياسة إدارة ترامب ذاتها!..

والأمر ذاته في الملف اليمني فبايدن أعلن وقف مشاركة الولايات المتحدة في العمليات على اليمن ووقف تزويد النظام السعودي بالأسلحة الهجومية وإزالة حركة أنصار الله من قائمة الإرهاب، إضافة إلى سلسلة من المواقف الأخرى والتي بدا فيها أمام الإعلام والعالم وكأنه المخلص لما يحصل في اليمن من مآسي ومجاعة، ولكن حتى الآن لا أثر على الأرض، والعدوان لا زال مستمراً، بل والأنكى من ذلك أن إدارته نفسها فرضت عقوبات على قيادات يمنية وازنة.

إذن ماذا يحدث بالفعل في واشنطن هل إن بايدن لا يستطيع تغيير السياسات التي فرضها ترامب بالفعل، أم أنه يستفيد مما جرى لتحقيق المزيد من المكاسب لأمريكا ولو بطريقة أكثر خبثاً وربما قسوة من سلفه؟.

لا شك أن الإرث الذي تركه ترامب كبير، ولا يمكن لأي رئيس أمريكي تجاوزه بسهولة ويسر، ولكن في حالة بايدن الأمور مختلفة فالفوز الذي أتى به إلى البيت الأبيض كان محصناً بدعم وانتصار في مجلسي النواب والشيوخ، وهذا الأخير الذي عاد إلى سلطة الديمقراطيين، ما يعني أن أي قرار يريد أن يتخذه سيكون تمريره سهل ولن يصطدم بحاجز الفيتو الذي كان من الممكن للجمهوريين أن يستخدموه ضده، ولكن ولأن القصة أكبر من رئيس وسيطرة في الكونغرس، فيمكن قراءة أن العدوان على الحدود السورية العراقية قبل أيام، والذي مر بدون موافقة الكونغرس، هو في سياق السياسات التي لا يرسمها رئيس بل لوبيات وكارتيلات عملاقة مسيطرة تفرض ما تريد.

ما يعني أن الحديث عن تغيير في السياسات التي كان ينتهجها ترامب وبدء صفحة جديدة من العلاقات في العالم هو مجرد ترويج إعلامي لا أكثر، ويهدف في الدرجة الأولى لإعادة الاعتبار ولو جزئياً لهيبة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم على أنها صاحبة الكلمة الفصل في كل ما يجري من أحداث، وإعادة شد عصب الحلفاء التائهين الذين تركهم ترامب في منتصف الطريق.. تغيير هذه الصورة لن يحصل إلا إذا استطاعت القوى الصاعدة في العالم فرض أجنداتها وسياساتها، وحتى ذلك الوقت ستبقى روسيا والصين وإيران “محوراً للشر”، وقد تضاف إليهم دول جديدة يرى بايدن والدولة العميقة خلفه أنها لا تخضع لعملية نهبها بصمت وسكون!!.