مجلة البعث الأسبوعية

واشنطن تعطي الضوء الأخضر لـ “الخيار العسكري”

“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة

قد يتذكر البعض تعهد جو بايدن أثناء ترشحه بالعمل على إعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الاتفاقية متعددة الأطراف التي وقع عليها أوباما عام 2015 – عندما كان بايدن نائبا للرئيس- واعتبرت وقتها النجاح الوحيد الذي حققه أوباما في سياسته الخارجية خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه.

كما وقعت عليها بريطانيا والصين وألمانيا وفرنسا وروسيا، وصادقت الأمم المتحدة على الاتفاقية التي وصفتها كأفضل سبيل لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي، كما وصفتها بأنها إنجاز مهم للدبلوماسية والحوار متعدد الأطراف، ولا تزال حاسمة لعدم الانتشار النووي العالمي والأمن الإقليمي والدولي.

في مقابل تعاونها، كان من المقرر أن تحصل إيران على أصولها الكبيرة التي تم تجميدها في بنوك في الولايات المتحدة. وبحسب معهد بوينتر للصحافة، وبعد الحديث مع عدد من المسؤولين في البنك المركزي الإيراني، قال نادر حبيبي، أستاذ اقتصاد الشرق الأوسط بجامعة برانديس في بوسطن، إن الرقم الفعلي للأموال التي حصلت عليها إيران بعد الاتفاق النووي يتراوح بين 25 و50 مليار دولار، وما يؤكد هذا الاحتمال أن وزير الخزانة الأميركي السابق جاك ليو، أبلغ المشرّعين الأميركيين في تموز 2015 أن طهران ستحصل على ما يصل إلى 56 مليار دولار من الأموال المجمدة، كما كان من المقرر إعفاؤها من العقوبات التي فرضتها عليها واشنطن وحكومات أخرى.

فشلت خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018 عندما انسحب الرئيس ترامب من الاتفاقية، وأعاد العقوبات التي كان تم رفعها أو الإعفاء منها بموجب الخطة، وواصلت الولايات المتحدة تنفيذ قرارها القاضي بعدم منح إعفاءات فيما يتعلق بالاتجار بالنفط مع إيران، وبعدم التجديد الكامل لإعفاءات مشاريع عدم الانتشار النووي في إطار الخطة، زاعماً أن إيران ستتحرك بالتأكيد لتطوير سلاح نووي بمجرد اكتمال المرحلة الأولى من الاتفاقية.

جدير بالذكر، أحاط ترامب الذي كان جهله بإيران والقضايا الدولية الأخرى عميقاً، نفسه بلوبي صهيوني لمساعدته في سياسته الخارجية، بما في ذلك أفراد عائلته، حيث تحرك الصهاينة الأميركيون بسرعة بعد أيام قليلة من فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لضمان حماية المصالح “الإسرائيلية” بالكامل من قبل الإدارة الجديدة، الأمر الذي جعله يقتنع بشكل كامل بالحجج التي قدمتها “إسرائيل” وكذلك اللوبي الإسرائيلي الذي يتضمن مجموعات من ضمنها، مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية.

أمضى ترامب الفترة التي شغل خلالها منصبه في البيت الأبيض في تقديم خدمات لإسرائيل بكل طريقة يمكن تصورها، بما في ذلك “الاعتراف” بالقدس عاصمة لها، ومنح إسرائيل الضوء الأخضر لإنشاء وتوسيع مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية والإقرار بمرتفعات الجولان المحتلة كجزء من إسرائيل.

وبالنظر إلى سجل ترامب، خاصة فيما يتعلق بتخليه غير المنطقي، والمخالف حتى للمصالح الأمريكية، عن خطة العمل الشاملة المشتركة، بدا دعم بايدن، الذي ألزم إدارته بفعل ما في وسعها للانضمام إلى البلدان الأخرى التي كانت لا تزال تحاول جعل الاتفاقية تعمل، وكأنه نسمة من الهواء المنعش. لكن بعد انتخاب بايدن فعلياً، أوضح ووزير خارجيته توني بلينكن ما ستسعى الولايات المتحدة إلى فعله فيما يتعلق بما أسماه “إصلاح” الاتفاقية من خلال جعلها أقوى في بعض المجالات الرئيسية التي لم تكن جزءاً من الوثيقة الأصلية.

وكشرط لإعادة بدء المناقشات، طالبت القيادة الإيرانية بالعودة إلى الوضع السابق، ما يعني أنه سيتعين إلغاء الجزاءات العقابية التي بدأها ترامب، وستوقف إيران في المقابل جميع أنشطة التخصيب، مؤكدة أن الاتفاقية لا تحتاج إلى أي محاذير إضافية، لا سيما عندما أوضح بلينكين وفريقه أنهم يفكرون في فرض حظر على تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية وكذلك إجراء مفاوضات بشأن ما أسموه إنهاء “تدخل” طهران المزعوم في سياسة المنطقة.

أججت “إسرائيل” الوضع بإرسالها مجموعة من كبار المسؤولين، من بينهم وزير الخارجية يائير لبيد ووزير الحرب بيني غانتس ورئيس الوزراء نفتالي بينيت لمناقشة “التهديد الإيراني” مع بايدن وكبار مسؤوليه. حيث أكد لبيد أن “إسرائيل” “تحتفظ بالحق في التصرف في أي لحظة، بأي شكل من الأشكال .. نحن نعلم أن هناك لحظات يتعين فيها على الدول استخدام القوة لحماية العالم من الشر”.

ومما لاشك فيه، أظهر بايدن – كما فعل ترامب سابقاً – مشاعره الحقيقية من خلال إحاطة نفسه باللوبي الصهيوني. حيث شغل بلنكين، وويندي شيرمان، وفيكتوريا نولاند المراكز الثلاثة الأولى في وزارة الخارجية، وجميعهم من اليهود الأقوياء والمؤيدين بشدة “لإسرائيل”. كما أنه من المنتظر تعيين باربارا ليف، التي رشحها بايدن للعمل كمساعدة لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وهي حالياً زميلة لسياسة روث وسيد لابيدوس في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي أسسته لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهي واحدة من أقوى مجموعات الضغط ومكون رئيسي في اللوبي الإسرائيلي؛ ما يعني أن عضواً من الدرجة الأولى ويتمتع بمكانة جيدة في اللوبي الإسرائيلي سيكون مسؤولاً في وزارة الخارجية للإشراف على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

وفي البنتاغون، يسعد القائد العسكري البارز، رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي دوماً بمقابلة نظرائه الإسرائيليين، وكذلك وزير الدفاع لويد أوستن الذي أصبح بارعاً أيضاً في ترديد العبارة الببغائية “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”. وهنا لابد من ذكر الصهاينة المتحمسين على أعلى مستوى في الحزب الديمقراطي، ومنهم بايدن نفسه، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير، وبالطبع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر!!

لذا، فإن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وعلى الرغم من اعتراضات “إسرائيل”، كانت فاشلة منذ البداية، وربما لم تكن سوى موضع نقاش لجعل ترامب يبدو سيئاً للغاية. واستمرت المحادثات غير المباشرة التي شملت إيران والولايات المتحدة من الناحية الفنية في فيينا، على الرغم من توقفها منذ نهاية حزيران.

يواصل “الإسرائيليون” منذ ما يزيد على عشرين عاماً “تحذيرهم” من أن إيران على بعد عام واحد فقط من امتلاك أسلحتها النووية ولابد من إيقافها، وهو ادعاء بدأ ترديده مراراً وتكراراً وكأنه شعار ديني يتوجب ذكره، لكنهم الآن يتزودون بالفعل بالأسلحة التي ستكون مطلوبة للقيام بهجومهم.

قال رئيس أركان جيش الحرب الإسرائيلي أفيف كوخافي مراراً وتكراراً إن الجيش الإسرائيلي “يسَرع” خططه لضرب إيران، كما يهدد السياسيون الإسرائيليون، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، بأنهم لن يترددوا بفعل أي شيء للتعامل مع ما يسمونه بـ “التهديد” الإيراني.

بدورها، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم تخصيص 1.5 مليار دولار في الميزانية الجارية والمقبلة لشراء القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات، التي ستكون ضرورية لتدمير المنشآت البحثية تحت الأرض.

كما ظهرت تقارير، في أعقاب الأخبار حول تمويل الحرب، تفيد بأن سلاح الجو الإسرائيلي ينخرط في ما يوصف بأنه تدريبات “مكثفة” لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

لابد من الإشارة إلى أنه، بعد حصول إسرائيل على 5000 رطل من القنابل الخارقة للتحصينات، ستحتاج أيضاً إلى شراء قاذفات لإلقاء الذخائر، وهنا يأتي دور الكونغرس الأمريكي الذي سيقدم بطريقة ما “المساعدة العسكرية” اللازمة لتحقيق ذلك. إذ أوضح الوزير بلينكن أن الإدارة تعرف ما تخطط له “إسرائيل” وتوافق عليه، ففي لقاء له مع نظيره الإسرائيلي لبيد في 13 تشرين الأول، قال إنه إذا فشلت الدبلوماسية مع إيران، فإن الولايات المتحدة ستتجه إلى “خيارات أخرى”، ثم اعقب ذلك بالقول بأن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ونحن نؤيد هذا الاقتراح بقوة”.

وأكد لبيد أن أحد “خيارات” بلينكن كان العمل العسكري، قائلاً: “أود أن أبدأ بتكرار ما قاله وزير الخارجية للتو. نعم ، ستكون الخيارات الأخرى مطروحة على الطاولة إذا فشلت الدبلوماسية. ومن خلال قول خيارات أخرى، أعتقد أن الجميع يفهم هنا .. ما الذي نعنيه”.

تجدر الإشارة إلى أنه في مناقشتهما لبرنامج إيران النووي، كان لبيد وبلنكين يؤيدان هجوماً غير قانوني وغير مبرر لمنع إيران من حيازة سلاح نووي لا تسعى إليه أصلاً.

باختصار، أصبحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة مرة أخرى رهينة لإسرائيل، فموقف البيت الأبيض من الهجوم الإسرائيلي على إيران – الذي ينظر إليه الجميع كجريمة حرب، يتسم بالعبثية، فيما تعتبره عملا من أعمال الدفاع عن النفس.

يوماً تلو الآخر، تؤكد الولايات المتحدة تأييدها وتورطها في الجرائم التي تركبها إسرائيل، مما يؤدي بلا شك إلى كارثة أخرى في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط.

الحقيقة الوحيدة والمؤكدة أن اسرائيل هي من تهدد دول الشرق الأوسط، فكل الإجراءات التي تقوم بها من اغتيال للعلماء الإيرانيين، والتهديد بشن هجمات على إيران، هي إجراءات ليست دفاعية، ولن يكون هناك شيء دفاعي بشأن الهجمات العسكرية المباشرة سواء بمساعدة الولايات المتحدة أو بدونها على إيران.

في الحقيقة، إذا اختارت إسرائيل أن تلعب دور الأحمق، لابد أن تنعكس تبعاته عليها، لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتراجع. لكن المرء يشك في ما إذا كان البيت الأبيض والكونغرس، الخاضعين لسيطرة “أسرائيل”، يمتلكان الحكمة أو الشجاعة لقطع العلاقة التي تربط الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني.