دراساتصحيفة البعث

روسيا سترد “الجميل” لهذا العالم

ترجمة: هيفاء علي

شهد العالم في الأيام الأخيرة سلسلة من العقوبات التي تنهمر على روسيا لم تسلم منها حتى الرياضة والفن والعلم والمطالبة بخروج المتاجر الأجنبية من السوق الروسية. وبحسب كارين بيشيه غولوفكيتش، وهي قاضية فرنسية الجنسية ومتزوجة من مواطن روسي، فإن أجهزة الحوكمة العالمية هي التي لديها إغراء الأقلمة، والقوة الأطلسية غير قادرة على قبول تجاهلها ورفضها. وبالتالي، إذا كان من الممكن وجود حياة خارج العولمة، فقد ينتهي الأمر بالدول المهيمنة إلى التفكير فيه. وهذا ما يفسر هذا المستوى غير المسبوق من الغضب والكراهية والحقد تجاه روسيا من جانب النخب الحاكمة الأطلسية. فعندما يقرأ المرء الأخبار يعلم أن العلامات التجارية الفاخرة تتخلى عن السوق الروسية. وتضيف القاضية: “أنا لست خبيرة بالاقتصاد، ولكن يبدو لي أن هذه الشركات مثل أي بي إم ومايكروسوفت، بحاجة إلى تحقيق الربح لتحقق وجودها وإخراجها من السوق الروسية يعني حرمانها من حصة من الأرباح ما لم تخطط الدول الغربية لتعويضها الخسائر”.

بكل الأحوال يمكن أن نرى بوضوح أن الليبرالية وأسطورة عدم تسييس الاقتصاد قد انهارت، بمعنى إنها نهاية العولمة الاقتصادية، ذلك أن الأسواق المالية الغربية تقترب من روسيا، ولم تعد الاستثمارات تتقاطع، ولم تعد “فيزا” و”ماستركارد” تقدمان معاملات، فيما يقوم نظام “سويفت” بتحصين نفسه تدريجياً. لقد تراجعت العولمة المالية فالاتحادات الرياضية والعلمية وحتى الطبية ترفض الاتحادات الروسية. كما  تتم إزالة الكلاسيكيات الروسية من البرامج،  لأنها روسية فيما يتم طرد الطلاب من الجامعات الأوروبية، ليس بسبب نتائجهم، ولكن بسبب جنسيتهم الروسية.

كل هذه الإجراءات ذات حدين، فعندما يتم استبعاد روسيا من هذه العولمة يتقلص العالم الأطلسي ويثور التساؤل حول أساس وجوده – أي العالمية –  التي تعني طريقة حياة واحدة للجميع، وبنفس الرؤية. حتى هوليوود تقع في الفخ وتعلق عروضها الأولى في روسيا بدعم من آلة الدعاية الأمريكية التي تنشر الخوف لتباشر عملية غسيل الأدمغة وتفكيك المجتمعات.

من جهة اخرى، يدعو البعض إلى استبعاد روسيا من منظمة الصحة العالمية وآخرون لإخراج روسيا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، متناسين أن روسيا، الخليفة القانوني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية على الساحة الدولية، هي عضو مؤسس في الأمم المتحدة، وقد دفعت أرواح أكثر من 25 مليون سوفييتي، وتملك حق النقض في قرارات عالمية وأممية. كما تناقش الولايات المتحدة الآن خروج روسيا من منظمة التجارة العالمية، وهي منظمة دخلت روسيا فيها متأخرة وعلى حساب تنازلات كبيرة. ولكن بدون روسيا، لم تعد هذه الهيئات عالمية، بل أصبحت إقليمية. وبالتالي، فإن العالم أحادي القطب الذي يطالب به الأطلسيون سيعود إلى العدم.

وتختم القاضية كلامها بالقول: “إن رد فعل الغرب غير المسبوق على روسيا يشبه رد فعل المرأة المنبوذة، التي تفضل الانتحار على العار. وكيف يمكن أن يتحمل الغرب المعولم إنكار نفسه عندما كان على وشك النصر – كما كان يعتقد – بآخر طلقة ضد كورونا، والتي كانت ستكمل سحق المجتمعات واقتصادها والحكم الوطني المحلي؟ هذا العالم العالمي يلعب بكل شيء، لأنه من خلال اتخاذ قرار بتجاهل العقوبات، وقبولها كأمر مسلم به في اللعبة، فإن روسيا في طريقها، إذا صمدت حتى النهاية، لرد الجميل لهذا العالم العالمي”.