رأيصحيفة البعث

بايدن و”زلة لسان” مروعة

أحمد حسن

ببساطة، يمكن القول إن الرئيس الأمريكي جو بايدن عاد من جولته الأوروبية و”قممه” الثلاثة فيها بنتيجة واحدة، هي ترسيخ الاسم الذي تصفه به وسائل إعلام بلاده: “جو النعسان”.

فالرجل الذي بذل كل هذا الجهد “القممي” – ثلاثة قمم طارئة: حلف شمال الأطلسي، الاتحاد الأوروبي، مجموعة السبع، وكلها واحد في الحقيقة – كان يهدف إلى الإبقاء على موقف موحد لحلفائه في مواجهة روسيا، لكنه، بصورة أو بأخرى، أوضح أنه يريد تحقيق ذلك عبر الآخرين، سواء بدمائهم، حتى آخر جندي أوكراني – فقد تعهّد مرة جديدة بعدم إرسال قوات أميركية للقتال ضدّ روسيا – أو باقتصادهم، حتى آخر دولار أو يورو في جيب آخر مواطن أوروبي، وهذا أمر أصبح واضحاً للجميع، سواء الأوكرانيين الذين يختبرون ذلك يومياً، أو الأوروبيين الذين يختبرون يومياً أيضاً أن الحصار المالي والاقتصادي على روسيا يضرّ بهم قبل أي أحد آخر، وحتى قبل الروس أيضاً.

وبالطبع، لم يكتف “جو النعسان” بهذا، فقد كان يمكن لهذا “الجهد” أن يمر دون تداعيات كبيرة لولا تصريحه الغريب بشأن الرئيس الروسي، وهو تصريح لم يربك الحلفاء فقط، بل دفع حتى بأهل “بيته” الأبيض وأركان إدارته – وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وجوليان سميث سفيرة واشنطن لدى حلف الأطلسي – إلى محاولة تدارك ما لا يمكن تداركه.

فالتصريح الذي وصفه سيناتور أمريكي جمهوري بأنه “زلة لسان مروعة”، اعتبره آخرون سبباً لإطالة أمد الحرب، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحدهم حين حذّر من “أن مثل هذه العبارات يمكن أن تصعّد النزاع الذي تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي لاحتوائه، وأن تقوّض الجهود الغربية لمساعدة الأوكرانيين المنكوبين”.

وإذا كان بايدن معروفاً منذ عقود عدة بارتكابه كثيراً من زلات اللسان المربكة، إلا أن هذه الأخيرة قد تكون أخطرها في ظل هذه البيئة العالمية المعقّدة، حيث “سيرى بوتين أن ذلك تأكيد لما كان يؤمن به طوال الوقت”، كما قال الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس، وما كان “يؤمن” به بوتين، وما أثبتته الوقائع، أن أوكرانيا لم تكن سوى “مخلب القط” الذي يحضّر غربياً لمواجهة روسيا، دولة ونظاماً ومسؤولين، والأهم: حضارة معينة.

بيد أن ذلك، على خطورته، لا يجب أن يجعلنا نغض النظر عن نتائج جيدة لـ “القمم” البايدينية، سواء قصد الرجل ذلك أم لم يقصده، فبعد تأكيداته المتكررة، التي رددها وراءه حلف الناتو، أن لا مشاركة عسكرية في الحرب ضد روسيـا، يبدو أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صحا من وهمه “الناتوي” حين صرح بالأمس، قائلاً” إن أحد بنود المفاوضات مع موسكو يتناول الضمانات الأمنية والحياد”، مضيفاً: “نحن مستعدون للقبول به، هذا البند في المفاوضات قيد النقاش، وتمت دراسته بعمق”، وهذا في الحقيقة مطلب روسي أساسي من هذه الحرب.

وأيضاً، “زلة اللسان المروعة” لا تنفي أن بايدن قال كلاماً هاماً، فالرجل صرح “إنّ خيار روسيا لشنّ حرب من دون مبرّر أو استفزاز مثالٌ على واحد من النوازع البشرية البدائية: استخدام القوّة الغاشمة والمعلومات المضلّلة لإشباع الرغبة في السلطة والسيطرة المطلقة”، وتلك عبارة صحيحة بالمطلق، وربما تكون الوحيدة في سياقها، لكنها، وكعادة الأمريكيين، وُجهت في المكان الخاطئ وإلى الجانب الخاطئ، فقد كان يجب على رئيس أمريكي وعد في حملته الانتخابية بالسلام العالمي أن يقولها من منبر الكونغرس، وأن يوجهها إلى نفسه أولاً، باعتباره سياسياً قديماً، وإلى أسلافه كلهم من قبله.