دراساتصحيفة البعث

رسالة الإعلام الأمريكي السلبية إلى العالم

ريا خوري

لعب الإعلام دوراً لا يُستهان به في معركة ليّ عنق الحقيقة والسيطرة على العقول، حيث سيظهر كل ذلك بشكل جليّ وواضح عندما تتوقف الحرب الدائرة في أوكرانيا. والتغطيات الإعلامية الغربية التي صاحبت العملية الخاصة في أوكرانيا، سوف ينظر إليها كصفحة سوداء ومشينة في تاريخ الإعلام الغربي ككل، لأن هذا الإعلام انتهك جميع المحرمات المهنية، والأصول والقواعد والأسس التي ترسّخت على مدى عقود طويلة.

في سنوات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، نشأ ستار حديدي يفصل بين عالمين، وكانت الصحافة أبرز النقاط في ذلك الستار، وما يشهده العالم اليوم من هستيريا إعلامية غربية تقودها الولايات المتحدة في الحرب الأوكرانية يُنذر بخسارة فادحة لقيم العمل الإعلامي، والمتابع لمجريات التصاعد الإعلامي الغربي الهستيري يدرك مدى حالة التحرش الزائد مع جمهورية روسيا الاتحادية، وبالتالي فإن قواعد وأسس وقيم العمل الإعلامي والصحفي المتعارف عليها دولياً ستتبدّد وتختفي.

لقد قدّم هذا الإعلام رسالة سلبية إلى العالم، وبالتالي فإن الوصاية على الرأي العام في أوروبا لا إخباره بحقائق ودقائق ما يجري ستكون أخطر تطور سلبي في تاريخ الإعلام الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة. وليس الإعلام وحده، بل نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي قد خرقت القواعد السياسية والأخلاقية العامة من خلال التحريض على العنف والكراهية والقتل، وبثّ أجواء الرعب وعدم الاستقرار. وبالفعل ارتكبت أجهزة الإعلام الغربية الكثير من الجرائم المهنية كالخلط بين الرأي والخبر، وافتقدت الحدّ الأدنى من الحيادية في تغطية مجريات الحرب، وتورطت بذلك أعرق المؤسسات الإعلامية والصحفية الغربية.

الجدير بالذكر أن الحيادية تعني أن يكون الفصل بين الخبر والرأي واضحاً وصارماً، وأن يجري التحقق من صحة الأخبار ودقتها وفق القواعد والأسس المتعارف عليها، أو ألاّ يجري التدليس على جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين بفيديوهات مفبركة وادعاءات كاذبة وغير صحيحة.

في خمسينيات القرن العشرين الماضي تعقّب السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي، كل من يشتبه أنه ينتمي إلى الحزب الشيوعي، أو يتبنى أفكاراً تخالف السائد الرأسمالي الغربي، وكانت تلك حملة ضارية على المثقفين والثقافة ونوعاً من الإرهاب الفكري والثقافي تبرأ منه مجلس الشيوخ الأمريكي تالياً. وما يحدث اليوم يتجاوز بكثير “مكارثية” القرن العشرين، فالتعقب هذه المرة يشمل كل ما هو روسي الأصل والجنسية بذريعة الانتقام من الرئيس فلاديمير بوتين.

لقد كان الإعلام طرفاً مباشراً بشكل لا جدال فيه، وأداة نافذة في التحريض على الشعب الروسي وحكومته وشيطنتهم كأمة “خارجة عن القانون”، دون أدنى محاولة لتفهم أسباب الظروف التي مرّت بها الأزمة وخلفيتها ومدى شرعية المخاوف والقلق من وصول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى حدودها المباشرة. كما كان الإعلام الغربي أيضاً طرفاً مباشراً في اللعب على العقول والتحريض على التمييز العنصري وفق العرق ولون البشرة والدين والثقافة، وتقويض أيّة فرصة حقيقية وجديّة للربط والتفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة.