دراساتصحيفة البعث

روسيا وإيران والهند نحو قطب ثالث

هيفاء علي

أشاد وزير النقل الروسي فاليري سافيليف، بالدور الحيوي الذي تلعبه إيران في الخدمات اللوجستية لبلاده اليوم من خلال ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، لافتاً إلى أن العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة رداً على العملية العسكرية الخاصة المستمرة لروسيا في أوكرانيا كسرت فعلياً جميع الخدمات اللوجستية في بلاده، لذلك تبحث عن ممرات لوجستية جديدة. والممر الرئيسي الذي توليه روسيا الأولوية هو ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب عبر إيران، مشيراً إلى أن هناك ثلاثة موانئ على بحر قزوين تعمل بالفعل كطرق تجارية مع إيران.

جدير بالذكر أن هذا الممر يعمل كممر تكامل عبر الحضارات يربط بين الحضارة المسيحية التاريخية لروسيا والحضارة الإسلامية لإيران والحضارة الهندوسية في الهند، بالإضافة الى الحضارات الأخرى مثل تلك الموجودة في إفريقيا وآسيا والتي يمكن ربطها بشكل غير مباشر بروسيا من خلال هذا الطريق. وبحسب محللي الاقتصاد، فقد ساعدت هذه النتيجة العالم على المضي قدماً في التغلب على المرحلة الحالية المتمثلة بثنائية القطب من تحول النظام العالمي إلى التعددية القطبية التي شهدت تشكيل العلاقات الدولية إلى حد كبير من خلال المنافسة بين القوى العظمى الأمريكية والصينية، وبالتالي أصبح من الممكن الحديث عن قطب نفوذ ثالث يمثله التقارب الاستراتيجي الكبير بين روسيا وإيران والهند.

والهدف من هذا النهج هو تحقيق أقصى قدر من الاستقلال الاستراتيجي لكل منهم في إطار الحرب الباردة الجديدة فيما يتعلق بالقوتين العظميين، كما أن التداعيات الدولية لنجاح خطتهم ستغير قواعد اللعبة، ولهذا السبب تُبذل الجهود الغربية بقوة لإيقافهم وعرقلة تقدمهم.  في هذا السياق، تقود وكالة “أسوشيتد برس” حملة المعلومات الإعلامية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الشراكة الاستراتيجية الروسية الإيرانية، في حين تدير المنافذ الأخرى شكل تكميلي ضد الشراكة الاستراتيجية الروسية الهندية. لقد فشلت كلتا المبادرتين لأن قادة هذه الدول يسترشدون برؤيتهم العالمية ذات السيادة المحافظة متعددة الأقطاب التي تحثهم على الاستمرار في المسار على الرغم من الضغوط الغربية الكبيرة، بعد أن أكد لهم الاستراتيجيون أن الأمر يستحق كل هذا العناء.

يتناقض هذا مع باكستان، التي يبدو أنها تعيد ضبط استراتيجيتها الكبرى والدور المتصور المرتبط بها في التحول النظامي العالمي بعد تغيير الحكومة، حيث تشير الإشارات المختلطة التي أرسلتها السلطات الجديدة إلى روسيا جنباً إلى جنب مع اتصالاتها المتحمسة مع الولايات المتحدة بقوة شديدة إلى أنه تم استبدال النظرة الى عالم متعدد الاقطاب التي تبناها رئيس الوزراء السابق سابقاً، بالعولمة الليبرالية أحادية القطب المؤيدة للغرب. وهذا يعقد العمليات متعددة الأقطاب في جنوب آسيا ويخاطر بعزل باكستان عنها في أسوأ الحالات. وتعني هذه الملاحظة أن التقارب الاستراتيجي الكبير بين روسيا وإيران والهند سيستمر، حيث أصبح الأخيران أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لموسكو كصمامات للضغط الغربي وبدائل موثوقة لتجنب أي اعتماد غير متناسب على الصين، اذ كان من المفترض أن تلعب باكستان دوراً تكميلياً في الشراكة الروسية الأورو-آسيوية الكبرى من خلال العمل أيضاً على موازنة اعتماد موسكو المتزايد على طهران ونيودلهي، لكن هذا يبدو غير مرجح في ضوء الأحداث الأخيرة.

ومع تجميد العلاقات فعلياً على جبهة الطاقة، والتي كان من المفترض أن تكون أساس الشراكة الاستراتيجية المأمولة، هناك فرصة ضئيلة في أن ترى روسيا، أن باكستان أكثر أهمية من إيران، ويرجع هذا التوقع الكئيب إلى التخمين بأن السلطات الباكستانية الجديدة تنظر إلى إبطاء وتيرة تقاربها مع روسيا على أنه “تنازل مقبول من جانب واحد” في مقابل استمرار السعي نحو المناقشات حول تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والتي هي من أولويات سياستهم الخارجية الجديدة. ومقابلة وزير الخارجية الباكستاني الجديد، مع وكالة “أسوشيتد برس”، خلال رحلته الأولى إلى أمريكا لحضور حدث للأمم المتحدة ولقاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على انفراد تصب في هذا المنحى، وتقطع الشك باليقين ازاء اهتمام إسلام أباد باستئناف محادثات الطاقة مع روسيا، حيث تفيد المعلومات أن أمريكا تحاول “سرقة” صفقة روسيا مع باكستان لتزويدها بالطعام والوقود بخصم 30٪، وربما حتى تقديم خصم أقل.

هنا من المهم الإشارة إلى أن الإزالة العملية لتأثير التوازن الباكستاني في هذا النموذج يزيد من اعتماد روسيا على إيران والهند. وسواء أصبحت العلاقات الروسية الباكستانية إستراتيجية، كما تأمل موسكو، وبالتالي تساعد في تحقيق التوازن بين حركة عدم الانحياز الجديدة التي تتصورها، أو لم تصبح،  فلا شك في أن المحور الذي تبنيه روسيا بالاتحاد مع إيران والهند سيستمر في النمو بشكل أقوى حيث تسعى ثلاث دول معاً إلى إنشاء قطب نفوذ ثالث في العلاقات الدولية.