دراساتصحيفة البعث

قراءة في كتاب “لماذا فعلنا ذلك”

علي اليوسف

منذ السطور الأولى لكتابه “لماذا فعلنا ذلك”، يطرح الناشط السياسي السابق تيم ميلر سؤالاً مباشراً، وهو: لماذا تعلم معظم أركان المؤسّسة الجمهورية في الولايات المتحدة التوقف عن القلق والاصطفاف وراء الرئيس ترامب؟ ثم ينتقل للتركيز على أنه في كثير من الأحيان، عندما يحاول الجمهوريون تسليط الضوء على ما يجمعهم مع إدارة ترامب، يتوصلون إلى أعذار مفصلة وخطاب عالي النبرة، وفي كتابه “لماذا فعلنا ذلك” يسلّط الكاتب الضوء على ظاهرة الاستغناء عن التظاهر بالتقوى.

من الطبيعي أن يصّور تيم ميلر، الذي بدأ العمل في السياسة الجمهورية عندما كان في السادسة عشرة من عمره، نفسه على أنه شخص كان منشغلاً جداً بـ”اللعبة” لدرجة أنه لم يفكر لسنوات في الثقافة المتدهورة التي ساعدت تكتيكاته المجردة في إدامتها.

في النصف الأول من الكتاب، يركز ميلر على نضوجه السياسي من شاب جمهوري نشأ في أسرة كاثوليكية متدينة، إلى متحدث باسم حملة جورج بوش الرئاسية، إلى أحد أعلى الأصوات خلال انتخابات عام 2016. أما النصف الثاني من “لماذا فعلنا ذلك”، فهو عبارة عن تصنيف للجمهوريين، استناداً إلى محادثات ميلر معهم، ومعرفته المباشرة بهم، والذين يصفهم علانية بأنهم “أكثر المخلوقات انتهازية في الولايات المتحدة”.

وبين النصفين، يوجد فصل محرج بعنوان “القصور الذاتي”، حيث ينتقل ميلر نفسه من شجب ترامب قبل انتخابه، للعمل لدى سكوت برويت، مدير وكالة حماية البيئة التابعة لترامب. ولاحقاً حصل ميلر على عقد عمل من وكالة حماية البيئة لمراقبة وسائل الإعلام، حيث أجرى بحثاً لموقع “فيس بوك” بأنه يتوافق مع نظريات المؤامرة، مستشهداً بالممول الليبرالي جورج سوروس باعتباره القوة الخفية وراء الحركة المناهضة للفيسبوك.

لم يكن ميلر مهتماً بالترامبيين المتشدّدين الذين أحبوا مرشحهم منذ البداية، حيث تشمل مواضيعه الزملاء الذين عملوا معه منذ ما يقرب من عقد من الزمان في مشروع النمو والفرص، المعروف باسم “تشريح جثة الجمهوري”، الذي تمّ تنظيمه بعد خسارة ميت رومني أمام باراك أوباما في عام 2012، لكن هؤلاء الزملاء العاملين في المشروع، واحداً تلو الآخر، تحوّلوا من كارهين لترامب إلى احتضانه.

في هذه الجزئية، كتبت إليز ستيفانيك، الممثلة التي تلقت تعليمها في جامعة هارفارد من شمال ولاية نيويورك: “كان ترامب يحبّ الشعور بالأهمية، لذلك كان مهتماً في البقاء وتسليط الأضواء عليه، بينما كان العالم يتفكك من حوله”. حتى ميلر، يصف في كتابه السكرتير الصحفي السابق لترامب شون سبايسر بأنه “الطالب الذي يذاكر كثيراً للانتقام” الذي اعتقد أن الحصول على مكانة في البيت الأبيض قد يعوّض بعض “الكاريزما السلبية”.

“لماذا فعلنا ذلك” ينتهي بقصة صداقة ميلر مع حملة التبرعات الجمهورية لـ كارولين ورين، وهي زميلة “جيل الألفية الليبرالية الاجتماعية”، والتي عملت مع ميلر في حملة ماكين لعام 2008 ولكنها تحوّلت مؤخراً إلى نجمة، حيت استدعتها لجنة التحقيق في هجوم 6 كانون الثاني على مبنى الكابيتول.

ويقول ميلر: “لا تبدو دوافع كارولين ورين معقدة، فهي نفسها تعترف بأن سياستها كانت دائماً أقل ارتباطاً بالتفاصيل الدقيقة للحكم من الجوانب الأكثر ثقافية في الشخصية. لقد جاءت لتعبد جون ماكين، لكن سرعان ما أصبحت مهووسة بـ سارة بالين مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب رئيس أمريكا. عندما تمّ الضغط عليها لشرح ما جذبها إلى ترامب، وهي التي قالت إن سياساته تثير غضبها، قالت: “كنت أعارض التقدميين المتعجرفين”. لقد أحبّت ترامب بسبب ما تسميه “وضع حرق الأرض”. وهنا يعقب ميلر بالقول: “يبدو أن هذا العداء كان الشرط الضروري لتحويل أقرانه المتردّدين إلى أنصار ترامب”.

كتاب “لماذا فعلنا ذلك”، هو كتاب بقلم موظف جمهوري سابق، حيث يظهر الكاتب كيف أمضى الحزب الجمهوري عقوداً في تنمية المظالم، والتي لم يكن يخطّط لفعل أي شيء حيالها، حيث يلتقط ميلر التكافؤ العاطفي الناتج عن ذلك بـ”عدم الجدية والقسوة”. وبالتالي فإن الكتاب عبارة عن مذكرات شخصية عن شخص أمضى حياته في السياسة بسبب تعطشه للشهرة والثروة، مثله كمثل باقي أقرانه في الحزب الجمهوري.