مجلة البعث الأسبوعية

مراكزنا الثقافة ومشروعها الإبداعي

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

بدأت علاقتي بالقراءة في المرحلة الابتدائية مع قصص المكتبة الخضراء وفي مرحلة لاحقة تعلقت بألغاز المغامرين الخمسة التي شدت اهتمام الكثيرين من جيلنا، وبعدها شغفت بالرواية وبعدد من الروائيين الذين شدتني كتاباتهم وشكلت معرفتي الأولى بالقراءة، لكن التحول في قراءاتي ابتدأ يأخذ بعداً أكثر عمقاً في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي حيث كنت في المرحلة الثانوية وكان مطلوباً منا في منهاج اللغة العربية كتابة موضوعات أدبية عن شخصيات وموضوعات تحتاج لتدعيمها بشواهد شعرية، ولأنه كانت لديّ نزعة أن يكون موضوعي متميزاً ومختلفاً عن موضوعات زميلاتي كنت أذهب إلى المركز الثقافي الذي كان عبارة عن منزل سكني يغص بأنواع متعددة من الكتب، وكان يديره شخص تمثل الثقافة بالنسبة له رسالة وسلوكاً يعتمدها في تنفيذ مهمته في إدارة المركز الذي كان داراً حقيقياً للثقافة يعج بالزوار الذين تعددت أسباب ارتيادهم للمركز، فمنهم من جاء من أجل الحصول على مراجع لإتمام بحث يعمل عليه ومنهم من كان يأخذ الكتاب الذي يريده وينزوي في مكان بعيد عن ضجيج الزوار، وقد لفتت عناوين الكتب التي كنت أختارها انتباه مدير المركز إذ رآها أكبر من استيعابي لها، فكان يقترح لي كتباً تتناسب مع عمري ويسمح لي أن آخذها معي إلى المنزل لأقرأها بهدوء ومن ثم كان يناقشني بها ليعرف ليقف على حقيقة فهمي لما أقرأ وكان يوضح لي بعض الأفكار التي أشكلت عليّ ليصوّب أفكاري ، وكم كانت تغنيني هذه النقاشات التي استمرت على هذا الحال حتى أنهيت مرحلة الدراسة الثانوية، واتخذت في الدراسة والحياة مجالاً آخر وابتعدت عن مدينتي واختلفت حاجتي للقراءة عن زمن مضى، ومع ذلك كنت أذهبإلى المركز كلما أتيحت لي فرصة فألتقي بمديره وأتحاور معهحول موضوعات ثقافية ومعرفية شتى، وكان يشاركنا النقاش بعض زوار المركز مما يغني حوارنا ونغادر المركز مع انتهاء الدوام مساء ورغبتنا في الحوار لم تنته.

طبعاً لم تقتصر مهمة المركز حينها على إعارة القراءة وإعارة الكتب فقط، بل كانت هناك العديد من النشاطات التي يقيمها كدورات تعليم الآلة الكاتبة والرسم والموسيقا وغيرها من النشاطات.

الآن اختلفت وظيفة المركز الثقافي عن زمن مضى، كان منبراً حقيقياً للثقافة، فمع التطور في الرؤية الثقافية وأهمية التوسع في نشاطاتها، أقيم في مدينتي كما في كل المدن السورية صرحاً ثقافياً كبيراً يضم عدداً كبيراً من الموظفين الذين لايعني لهم وجودهم في هذا المركز إلا وظيفة يقضون فيها ساعات الدوام المقررة لهم ويغادرون إلى منازلهم، وبالتالي افتقد هذا المركز لرسالته الثقافية التي نحتاجها، وأصبحنا نسمع شكاوى كثيرة من القائمين على المراكز الثقافيةأنفسهم عنمقاطعةالجمهورلهذه المراكز التي يعيدالبعضأسبابهاإلىاعتباراتمختلفةقديكونلهاتأثيرهاالمباشر على مهمة المركز الأساسية، وأمامهذهالحالةيحضرنيسؤالقديكونطرحكثيراً، ماالذي اختلف في الرسالة الثقافية بين الأمس واليوم؟ ولماذالاتستطيعمراكزناالثقافيةجذبالجمهورلنشاطاتها؟هلالسببيكمنفيالقائمينعلىهذهالمراكزوعدمأهليتهملتبنيمشروعثقافي؟أمالسببفيطبيعةالموضوعاتالتييتم اعتمادهافيخططهذهالمراكزوالاشخاصالذينيستضيفونهم؟أم أنهناكغياباًلصيغةالخطابالذييجذبالناس؟.

ربماهذهالاسبابكلهامجتمعةتقفعثرةفيإيصالأفكارناللآخروربمايكونهناكحلولكثيرةلإعادةالثقافةإلىجمهورها،فالمثقفالحقيقييعبّرعندورهالفعليبآرائهالتييعيشهاقولاًوفعلاً، فلماذالانقومبمراجعةمايقدموالنظربأسلوبوطريقةتقديمه،خاصةوأنالخياراتكثيرة لتفعيل الرؤية الثقافية،وهلللقائمينعلىالمراكزالثقافيةأنيجددوافي خططهمالثقافيةلتحققهذهالمراكزدورهاالذيأنشئتمنأجلهوكيتبقىالحاضنالأهم للحراكالثقافي.