أخبارصحيفة البعث

لهيب معاداة روسيا تطفئه برودة الشتاء

تقرير إخباري 

يواصل الاقتصاد الروسي تحقيق المكاسب وتحصين بنيته، رغم العقوبات الغربية المفروضة عليه من الغرب. 

فروسيا حالياً لا تعتمد على أسواق المال الدولية، والسندات المقوّمة بالعملات الأجنبية لديها تقدّر بحوالي 40 مليار دولار، بينما ارتفع فائض الحساب الجاري الروسي إلى 166.6 مليار دولار في النصف الأول بفضل مبيعات النفط والغاز، واقترب الدين العام من 20% من إجمالي الناتج المحلي وهو أقل بكثير من الاقتصادات ذات الحجم المماثل.

وفي الوقت ذاته تتوالى تبعات الضغوط التي يتعرّض لها الأوروبيون نتيجة العقوبات التي فرضها قادة بلادهم على روسيا بحجّة العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود والغاز والمواد الغذائية، فضلاً عن تهديد مستقبل الصناعات الأوروبية.

وأقرّ رئيس حزب الرابطة الإيطالية ماتيو سالفيني بأن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا تعود بالفائدة على الاقتصاد الروسي ولا تظهر أيّ فاعلية ضده، داعياً إلى إعادة تقييم العقوبات.

أيضاً في إيطاليا بدأت القطاعات الصناعية تخفّض معدلات إنتاجها بعد ارتفاع تكاليف الطاقة وتراجع موارد الغاز الروسي بسبب العقوبات الغربية المفروضة ضد موسكو، وهناك قطاعات كاملة بما فيها صناعة الزجاج والمعلبات بدأت الترشيد.

وعبّر زعيم حزب “إيطاليا.. إلى الأمام”، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو برلوسكوني، عن اعتقاده بأنه يجب على بلاده التخلي عن الغاز الروسي قبل أن تتخذ روسيا قراراً حول وقف إمداداتها عبر خلق ظروف للواردات البديلة، مثل محطات لتكرير الغاز الطبيعي المسال، ومصانع لإنتاج الطاقة من النفايات، واستثمارات في موارد الطاقة المتجدّدة، واستئناف الأبحاث في مجال الطاقة النووية النظيفة.

وبالنظر إلى تصريحات برلوسكوني فإنها تنم عن تعديلات في كامل قطاع الطاقة لن تتم بوقت قصير أو بتكلفة قليلة وبشكل يثير الشكوك حول ما تخطط له إيطاليا لمواجهة أزماتها.

في حين اقترح رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل مواصلة رفع أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي حتى إذا كان من المرجّح بشكل متزايد حدوث ركود في ألمانيا، في ظل اضطراب سلاسل التوريد والتوترات الجيوسياسية، وفي الوقت نفسه خفّضت روسيا بشكل حاد إمدادات الغاز، وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء أكثر من المتوقع.

وخلال هذه المجريات، ارتفعت أسعار الغاز في الأسواق الأوروبية عند مستوى 3000 دولار لكل ألف متر مكعب، ووفقاً لتصريحات نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف بأن أسعار الغاز في أوروبا ستواصل الارتفاع هذا العام حيث سيرتفع أكثر بحلول نهاية العام. كذلك حذر ناغل من الركود في كامل البلاد إذا تصاعدت أزمة الطاقة، وخاصة أن معدلات التضخم في ألمانيا قد تصل إلى 10 بالمئة في أشهر الخريف وربما أكثر من ذلك مع بداية الشتاء الحالي.

ومع توارد أخبار حول المساعي الحثيثة للمستشار الألماني أولاف شولتس للبحث عن بديل للطاقة الروسية، رفضت بولندا إمداد مصفاة في مدينة شويدت الألمانية بالنفط الخام لتعويض موارد الطاقة الروسية المستوردة عبر خط أنابيب دروجبا، لأن شركة “روسنفت” الروسية تمتلك 54 في المائة من أسهم منشأة التكرير.

ووفقاً لإحصائيات جهات بحثية في ألمانيا ارتفعت ودائع الأسر الخاصة في البنوك الألمانية بشكل حاد بين الربع الثاني من عام 2020 والربع الأول من عام 2021، أي في خضم جائحة فيروس كورونا، التي ترافقت مع قيود اجتماعية صارمة، وكان لدى الألمان 70 مليار يورو في حساباتهم المصرفية، أعلى من المستوى المعتاد، ولكن بحلول نهاية الربع الأول من عام 2022، تم القضاء على هذه المدّخرات “الإضافية” بالكامل تقريباً، ما يعني ضخامة حجم الإنفاق لدى تلك الأسر.

ودعا اتحاد الحرفيين في واحدة من أكبر ولايات ألمانيا “مقاطعة هالي ساليكريس في ساكسونيا”، المستشار شولتس إلى إعادة العلاقات مع روسيا، و”عدم التضحية بالبلاد” من أجل أوكرانيا، كما دعوه إلى وقف جميع العقوبات ضد روسيا وبدء المفاوضات لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا حرصاً على استمرار مهنهم ومستقبل بلادهم.

كذلك تعرّضت دعوة رئيسة لجنة الدفاع في البوندستاغ ماري أغنيس ستراك زيمرمان لتقديم تضحيات من الألمان من أجل محاربة روسيا، بحملة انتقادات واسعة من دافعي الضرائب الألمان الذين باتوا على أعتاب فقر محقق بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها ألمانيا. وانتشرت مؤخراَ أخبار إضرابات العمال في العديد من بلدان أوروبا بسبب مطالبهم برفع أجورهم بنسب توازي نسب التضخم الحاصل في الأسواق الأوروبية، ففي العاصمة الاسكتلندية أدنبرة بدأ عمال النظافة إضراباً يستمر 12 يوماً للمطالبة بتحسين أجورهم سيستمر حتى الـ30 من آب الجاري، كذلك أصيبت حركة القطارات بشبه شلل في المدينة بعد إضراب عمال السكك الحديدية أيضاً.

وفي بريطانيا، حدث العديد من الإضرابات في قطاع القطارات والأرصفة البحرية، في وقت كشف فيه مكتب الإحصاء الوطني أن الاقتصاد البريطاني انكمش خلال عام 2020 بأكبر وتيرة منذ أكثر من ثلاثة قرون، حيث بلغت نسبة الانكماش 11 بالمئة. وبالمحصلة، ومع اقتراب برد الشتاء، بات واضحاً أن الوضع في القارة العجوز يقف على مفترق طرق، حيث بدأ الشارع الأوروبي يتململ من سياسات قادته، وخاصة بعد تأكده من أن العقوبات المفروضة على روسيا هي السبب الرئيس في موجة الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار حوامل الطاقة. 

بشار محي الدين المحمد