ثقافة

معرض الربيع السنوي التشكيلي: تجارب رافدة.. ونذير نبعة مكرماً

يخطو معرض الربيع للفنانين الشباب هذا العام خطوته الجديدة في عوالم الفن التشكيلي مسجلاً العديد من الأسماء المبشرة والتي تحمل الكثير من سمات الفن التشكيلي السوري، فقد تقدم المعرض بتحية للفنان نذير نبعة الذي يعد من أهم الفنانين التشكيليين السوريين  تجربة وأستاذاً معلماً، ويسجل لمجموع الأعمال المشاركة المستوى المختلف عما سبقه من معارض تخص الشباب من حيث عدد المشاركات ومستواها الذي يؤكد أن العام التشكيلي المتوج بهذا المعرض يعد عاماً مبشراً على المستوى الفني والحياتي، كونه استطاع أن يكون المرآة النظيفة للسلوك والحس الإنساني اللائق بالجمال والخلق. فقد اجتهد الشباب باتجاه رسم معالم مبشرة لحياتهم الفنية القادمة والواثقة من ولادة الأمل، فهي الحياة التي تنتمي إلى حصيلة من التجربة التشكيلية السورية العريقة بحضاريتها وانفتاحها على التجديد والعطاء المثمر.
عام تشكيلي تفوّق فيه الجمال على الإحباط الذي أصاب البعض ممن فقدوا إيمانهم بدور الفن في مواجهة القبح والسقوط، فمجموع من اللوحات والأعمال رسمت الحلم واحتفت بالإنسان الذي يسعى لحقيقته الطيبة المواطنة للحب والسلام، فالتغني باللون هو تغنٍ بالنعمة التي منحتنا إياها الحياة، والتأليف باللون هو جعل الألم مهما عظم صغيراً من خلال رسم المساحة الأنبل في الوجود والعاطفة، إنها مساحة الوطن التي ترى بعيون وحواس ووعي تربى على عشقه.

التصوير الزيتي
أكثر من خمسين لوحة تنوعت مابين التصوير بالألوان الزيتية والاكريليك والأحبار والمواد الملونة الأخرى وبعض من الأعمال القماشية وأعمال الكولاج، وقد تعددت الاتجاهات الفنية من انطباعية وتشخيصية واقعية وتصويرية تعبيرية، منها ما تناول فن البورتريه الذي غلب على أكثر اللوحات المعبرة عن حالات وجدانية ومشاعر إنسانية تعيشها الشخصية المجسدة في اللوحة صوَرها الفنان بحركة الفرشاة ودسامة الطبقة الملونة وانفعال الخط، ولكل من الفنانين طريقته الخاصة في التعبير حيث تشبه البعض بالأسلوبية التي تعلمها من خلال دراسته، وكان التأثير المدرسي لبعض أساتذة كلية الفنون واضحاً في أسلوب تنفيذ اللوحة وبالأخص فيما يتعلق بالتصوير التعبيري.
وقد تميز عدد من الفنانين الشباب مثل جهيدة بيطار ورامي صابور وروان غرز الدين وريما سليمان وصبا رزوق وضحى الخطيب وسامي الكور المتمكن من رسم المشهد بحس التعبير والغنى اللوني والانفعالي، كما تلفت الانتباه لوحة الفنان حسان جربوع المشغولة بعفوية الباحث عن مكونات لونية مجردة لا تقارب الصورة الواقعية بقدر مقاربتها لمخيلة مفتوحة على التوقعات التي تنتجها الأصبغة بجوارها وترادف المشاعر التي تكتنف الصورة المتخيلة والقريبة من الشعر.
ومن الملاحظ في أعمال التصوير لهذا العام ندرة الأعمال التي تنحو منحى التجريد والحداثة والمحاولات التجريبية الجديدة إذ تطالعنا في هذا المجال، باستثناء عمل قدمه الفنان أنس الرداوي أعمال الفنانين رائد عباس وسامي الرفاعي ومنيرفا مرعي ونرجس بسام الفرج، كما تحضر نماذج من اللوحات التي تصور الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية وبعض هذه الأعمال لم تكن بمستوى المغامرة التي يعوّل عليها في الفن، لكنها بقيت محافظة على الروح التقليدية في إنتاج اللوحة.

فن الحفر “الغرافيك”
تعتبر أعمال الغرافيك لهذا العام من أكثر وأهم الأعمال التي يقوم على أساسها معرض الربيع فقد كان معرضاً للغرافيك وأعمال النحت بامتياز رغم أنها لم تخرج بعيداً عن أثر أساتذة الكلية وكانت في أغلبها أعمالاً صغيرة الحجم، لكنها حملت مفاهيم فنية مختلفة جعلت من ركن الحفر الركن الأكثر درساً ومتابعة في المعرض، ولأعمال الحفر الميزة الأثيرة في التعبير ولها عائلة من الدرجات اللونية التي تحمل مضامين العمل الفني مع التدرجات في السطوح المشغولة بفلسفة الحفر والتي تجعل منه الفن الأكثر رصانة وعمقاً، وقياساً لقلة عدد الفنانين الحفارين الشباب فإن الأمل أصبح كبيراً بالكوكبة التي عرضت أعمالها وفي هذا المجال لابد من الإشادة بجهود أساتذة قسم الحفر في كلية الفنون الجميلة والمراكز الفنية الأخرى، كما لابد من ذكر بعض الفنانين الشباب الذين تميزت أعمالهم: إياد الحموي وإياد النصيرات وأشعث القبة وراما السمان وربا صالومة ورغدة عيسى وشادي أبو حلا وعلي العلاف وفادي حلواني ومحمد حباب ومجد طيفور ونور الشعار ومحمد عيد ربابة.

النحت
تنوع الخامات أعطى مساحة النحت خصوصية مختلفة في الحضور القوي والمتنوع وكان لأعمال الخشب مساحة كبيرة من مجمل أعمال النحت التي ميزها انسيابية المنحوتة والإيقاع الأنثوي الذي غلب على أكثر الأعمال وعلى ملمس هذه الأعمال من خلال العناية المبالغة بالصباغ الخشبي وصقل السطوح على حساب البحث عن خلق دهشة مبتكرة في النحت ومرد ذلك أن لهذه المادة حسها الخاص الذي تفرضه على الفنان النحات باعتبارها مادة نبيلة تملك القدر الكبير من القيمة. بينما تميزت أعمال المعدن الأخرى بتنوع أكثر وأفكار أكثر اقتربت من التعبير عن الفكرة بالشكل الموجز دون الإغراق في الكلفة والأناقة، فكانت أعمالاً صعبة وواضحة في التعبير والجرأة وأكثر حرية، من هذه الأعمال المهمة ما قدمه النحات سلطان الأعور وعمل آخر للفنانة رشا ديب.
خلاصة جولتنا في معرض الربيع لهذا العام، وبالنظر إلى الوراء والمقارنة مع المعارض السابقة فإن معرض هذا العام هو كما ذكرنا أولاً خطوة متقدمة ومحطة هامة في عروض الفنانين التشكيليين الشباب وذلك يعود لعدد من الأسباب أهمها طريقة قبول وفرز الأعمال، وللإشارة هناك عدد تجاوز 200عمل فني ولوحة  قد تم رفضها وذلك لرفع مستوى المعرض، فالمعايير في هذا المعرض كانت عالية مما جعل لهذا المعرض هذا المستوى المميز عما سواه.
أكسم طلاّع