ثقافة

“خارج .. خط المطر” مفيد بريدي ينزف وطناً..

بين نفحة حب وحياة.. وبين زفير موت ويأس.. تموج مجموعة “خارج..خط المطر” للشاعر مفيد بريدي، الذي علق وطنه على خشبة القصيدة، مجدفاً نحو ذكريات تشبه الوطن الذي أضاعه من بين أصابع حلم، وراح يحلق وراءه على طائرة ورقية، ليعيد خلقه من ذكر وأنثى، في نصوص شعرية قصيرة عبت من الأحاسيس والرغبة ما جعلها تفيض بالوطنية على حافات الورق. تتمحور النصوص حول عدة مواضيع أكبرها الوطن الذي يشغل غالب المجموعة، ولأن الوطن لا يكون دون أحباء وأصدقاء، فإن الشاعر بريدي ينسج بعض قصائده للحبيبة والصديق، طارحاً هواجس ذاته في نصوص متفرقة.
يفتتح الشاعر مجموعته بقصيدة “وطن1” وكأنه يلوح لنا بوجود أكثر من وطن، وهذا ما نكتشفه حين نطالع عناوين القصائد فهناك “وطن2” ،”وطني حلم”، “وطن الفجيعة” ، “وطن الحرية”، يظهر الاستسهال في وضع العناوين، وهذا ما يؤخذ على الشاعر، إذ إن العنوان هو عامل الجذب للقارئ ومن الضروري أن يحمل بعض السريالية التي تُعمل المخيلة والذهن لتصور النص.  في نص “وطن1” يقول الشاعر: \أنا كلما انتسبت إليّ قبائل ضاعت أصولي\ فصغت من صوتي ملامح للحروف\ ورحت أبحث في التخوم عن بلاد لم أجدها\يا رفاقي\هل من رقعة تهدى إلي كي أشكلها وطن.\
يشغل البحث عن الوطن القصائد الأولى، لنراه فيما بعد يقدم لنا نصاً جميلاً يخاطب فيه الآخر بصور شعرية رقيقة تظهر مدى شفافية روحه يقول في “كن كما يجب” \اعكس وهج النور على قلبك كي يصبح قمرا\وأضئ وجهك دوماً حتى يغدو وترا\واعزف للناس الألحان لتعيد صياغتهم بشراً\. يطرق الشاعر من خلال النص باب الخطاب مع الغائب ليدع لنا باب الاحتمالات والبحث عنه مفتوحاً، كما أنه يشكل ذاته بألوان العمر والسنين التي مزجتها الحياة وعملت فيها فرشاة الوجود، فلا مفر من ترك عبور بعطره الخاص، يقول في “أين المفر”: ستبقى بقايا عظامي هنا\تنطق للعابرين\هنا قد دفنت حصيلة عمر\وفي غفلة من زمان الأفول\ كنت أقول\أنا من زمان يعز عليّ به\أن وجودي يطول\. وبصور مباشرة يرتب بريدي للموسيقى مكانتها بالنسبة له، فالألحان هي من تصيغ البشر وهي نفسها تأخذ الشاعر نحو الرقي الروحي والدخول لعالم التأمل فربما تصل به لعالم النيرفانا، حيث يقول في نص “توحد”: \دفنت حواسي في مسارات الريح\وحدها الموسيقى ارتقت بروحي\أعطتني التألق\وسيرتني للكهوف \حيث هناك أتطهر \بمسارات التأمل.\ يعتمد الشاعر على المفردة السهلة والبسيطة في تكوين صوره الشعرية كما أنه يتكئ كثيراً على حرف الروي ما يجعل النص أحياناً يتعثر رغم جمالية الصورة التي يشكلها من نص “اللامعقول”: \من داخل المؤامرة\لفتية قلوبهم مهاجرة\لم يؤمنوا بربهم\فغدت الشرور في وجوههم\نافرة مستنفرة\.
تأخذ المرأة عند بريدي قدسية المأوى والملجأ الآمن فنجده يناجيها بكلمات رقيقة تنسكب كلحن خفر على مساحات المعنى، وقد حمل رسالته طي السطور والعري فإذا به يتلوها كآيات نزارية الهوى، يقول في نص “إلى امرأة”: \أعطيني عريي…ضميني\وانتزعي كل شراييني\فأنا لا ثوب يسترني\أحتاج امرأة تؤويني\امرأة ترسلها الريح\لتثبت آيات يقيني\.
“خارج خط المطر” المجموعة التي حملت الوطن النازف بين أضلع قصائدها ترسم لنا الواقع كما لو أن الشاعر يوظف كلماته لتأريخ وتوثيق المرحلة التي تمر بها سورية، فليس غريباً أن تجد بعض مفرداتها: “قتل، اختطاف، حرية، متشظٍ..الخ” من المفردات التي تحمل الأزمة في أبعادها.
يختتم بريدي مجموعته بقصيدة “انتماء” مصراً على تجذره في هذه الأرض بلغة خطابية تبدو كأنها موجهة للأنثى الوطن يقول:\أنا في انتمائي إليكِ\أحيل الهدوء رياحاً\تصول بساحات حزنكِ\فيضحي أساي مواويل عشقٍ\لكل الجمال الذي عشقته عيوني\.
“خارج .. خط المطر” مجموعة شعرية تقع في 95 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار بعل 2014
خضر مجر