ثقافة

عام على الرحيل.. وســلـيـمـان الـعيـسـى يـبـقـى الـغـائـب الـحـاضـر

“شاعراً للحب..إنساناً.. سأبقى ..سوف أبقى” هكذا هو سليمان العيسى سيبقى وشماً على ساعد الزمان لن يطفئ جذوة إبداعه حتى الموت، فوهج كلماته سيعشعش في العقول والقلوب ما بقيت الأيام وسيبقى سيمفونية للبطولة والفداء والحلم العربي الكبير وفي الحفل الذي أقامته وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله أوضح وزير الثقافة عصام خليل أن الكلام قليل أمام الكبير سليمان العيسى وأمام تجربته الثرية التي كرمها السيد الرئيس بشار الأسد ومنحها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى فهي تجربة حفرت في الوجدان وقدمت أنموذجاً وإنساناً خالداً، فسليمان شاعر الإنسان ولذلك أصبح شاعر البعث، وقرأ خليل شعراً في الراحل العيسى قائلاً:
أنت أودعت في الظل نومك… لكن طفلاً جميلاً… تسيل الشموس على وجنتيه..سيذكر أن سليمان كان صديق العصافير ..كان نبيلاً …ينام على حزنه البحر.
يا سليمان..علمتنا كيف نؤمن بالضوء….حتى هزمنا الليالي …من يقاتل بالياسمين … ومن يحمل الشمس في يده..سوف يمسك بالدهر منتصراً.
وبتأثر بالغ وبلغة تفيض بالشعرية الطافحة جاءت كلمة د. حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب  حيث قال: أنت لم تمت  يا أبا معن وهذه كلماتي سأقولها بين يديك أيها الحاضر على جناح الأبدية أناديك لأحتمي في كلماتك، يامن تعيش في وجدان الصغار والكبار ممن تغذوا من إبداعك فصرت الحارس لهم أناديك وأنا الذي حظيت بسعادة الاستماع إليك مرة بعد أخرى وكانت كلماتك تمجد الوطن والعروبة مرة بعد مرة.
وأضاف جمعة: ما أحوجنا اليوم إليك لمنحنا الحلم الجميل الذي عشت له على الدوام ولم يكن حلمك نزوة بل كان وعياً تاريخياً وإرادة  تتوهج في القلوب، وعندما فارقتنا كنت قد زرعت حلمك بالوحدة العربية في ذهننا، وسجلت حروف العنفوان والتحدي بالأمل والتفاؤل واستحضرت فينا الإرث الحضاري. واعتبر جمعة أن العيسى منح الإبداع قيمة متجددة في الشعر التقليدي والمسرح وأن اتحاد الكتاب العرب فخور بأنه سيصدر قريباً كتاباً بقلم  د. ملكة أبيض شريكة عمر العيسى. وختم جمعة بالتأكيد أن العيسى سيبقى صفوة الكتاب والباحثين والشعراء، وسيبقى المحراب الذي ننهل من كلماته وستظل روحه الطاهرة تتجدد بالعروبة فهو الباقي في النفوس والضمائر والمجدد للعبقرية.

حفر اسمه على سنديانة التاريخ
وألقى الأستاذ سليمان حداد صديق العيسى كلمة مؤثرة توجه من خلاله بالتحية للراحل الذي ولد من رحم العصامية وتعمد من ماء الصوفية واصفاً إياه بالأديب المناضل الذي ساهم برسم الطريق السليم للوصول إلى الأهداف السامية. وأضاف: العيسى الذي نحيي ذكراه اليوم هو الغائب الحاضر وهو من الرواد الذين مهدوا الطريق ورسموا التاريخ، وأكد حداد أن العيسى غادر قريته النعيرية مرغماً ومن هناك كانت بداية نضاله. وعن علاقته بالراحل قال: تعرفت على العيسى في أربعينيات القرن الماضي وكان يؤمن أن هدف الغاية يلغي كل متاعب السفر وضمن ظروف الفقر والحرمان اختار العيسى السنديانة الأكبر  كمدرسة ليعلم تحتها أبناء المنطقة، وقد قال الكثير عن هذه السنديانة (كجذور السنديان سوف أبقى) فهي أقوى الجذور وتخترق التربة والصخور. وكان العيسى كما أراد ثابتاً كالصخرة اتخذ الواجب مهنة له متجولاً يلقي بذور القومية وعلى يده تدرب الرواد وظل عصياً على إغراءات المكاسب ليكتفي بحفر اسمه على سنديانة التاريخ.

راهن على رائحة الياسمين
وفي كلمة آل الفقيد توجه ابن الراحل الدكتور معن سليمان العيسى للحضور بقوله: مر عام  شاركتمونا فيه مرارة الفقدان وغمرتمونا بالحب ومنحتمونا الجَلَد والقوة، وحضوركم اليوم يعني الكثير ونحن جزء صغير من عائلة الفقيد الكبيرة، واليوم نجتمع لنستحضر كعائلة حكاياتنا وقصصنا معه فلكل منا معه حكاية، ولكل منا قصة كان جزءاً منها. كما تحدث د. معن عن عشق والده لدمشق وفهمه لها على طريقته نجمة لامعة  ينتهي عندها المكان وينتمي إليها الزمان، ومن تربتها عرف معنى التواصل والاتساع ورأى وطنه حلماً رائعاً يغطي الأرض والأزهار وراهن على رائحة الياسمين.
و تساءل د. معن كيف تمكن هذا الرجل من الوصول إلى قلب كل مواطن في الوطن العربي على امتداده فجميعنا يحفظ عن ظهر قلب “ماما ماما يا أنغاما،عمي منصور النجار، وغيرها من القصائد الراسخة في وجداننا ووجدان أطفالنا” وهل رحل سره معه وهو الذي نثر أبياته وأشعاره ولم يترك أي فرصة للغموض.
وتخلل الحفل قراءة شعرية لأشعار الفقيد قدمها د. جهاد بكفلوني معبراً أن المرء يحار فيما يختاره  من قصائد أمام عظمة وجمال ما كتبه العيسى، واختار د. بكفلوني مجموعة أبيات من  قصيدة “رمال عطشى” ومن قصيدة أخرى كتبها العيسى في البطل الشهيد جول جمال، واختتم بقصيدة نظمها العيسى في مدينة اللاذقية يقول فيها:
موجة تضرب الزجاج..وكأس تتملى مثلي..وأفق رحيب..
فإذا البحر والمدى والرذاذ الحلو..  كأس وجنة وطيوب..

كجذور السنديان
كما تم خلال الاحتفالية عرض فيلم وثائقي عن حياة الشاعر الراحل بعنوان “كجذور السنديان” إعداد الإعلامية إلهام سلطان وتعليق جمال الجيش وإخراج فراس قنوت في محاولة لتقديم أرقى صورة عن شاعر لوّن بريشته كل بقعة من الوطن العربي فهو كتب للعراق بوح روحه، وكتب للجزائر بلد المليون شهيد وفي حرب تشرين كتب رائعة الخالدون:
ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا      عند الشهيد تلاقى الله والبشر
وحدثتنا الإعلامية إلهام سلطان عن الفيلم الذي يتضمن عدة وقفات في مسيرة هذا الشاعر أولها علاقته بشجرة التوت في قريته النعيرية التي كان لها دور في تكوين وجدانه وهناك محطة أخرى مهمة في حياته وهي نادي العروبة التي تعرف فيه على المفكر زكي الأرسوزي، وأيضاً شجرة السنديان، هذه الشجرة في الساحل السوري والتي كانت مكاناً للقاء مجموعة من الرفاق مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي. والعيسى كان كجذور السنديان متغلغلاً في عمق التاريخ وخالداً فيما رسمه لهذا الوطن، أما المحطة الأخيرة فكانت في دمشق.
وأكدت سلطان أن العيسى لم يرحل بل هو باق في عقولنا ووجداننا وذاكرتنا وفي ضحكة أطفالنا وفي كل رموزنا الوطنية العلم والجندي ودم الشهيد، معتبرة أن من تربينا على أشعاره يستحق كل تكريم. وشددت سلطان على أهمية إلقاء الضوء بشكل دائم على هذه الرموز الإبداعية الوطنية لدورها الكبير في رسم شكل الوطن، لأننا مؤمنون بهذا البلد ذي الجذور الممتدة في عمق التاريخ، هذا الوطن الذي يختصر عصوراً وحضارات عديدة.
لوردا فوزي