اقتصاد

مؤشرات الواقع تشي بحالة طلاق بينهما.. خطوات خجولة لجسر الهوّة بين البحث العلمي وقطاع أعمالنا المارديني لـ”البعث”: الجامعات السورية تعمل منذ أربع سنوات على هذا مسخِّرة جميع أبحاثها لمصلحته

لم يشأ أحد أصحاب المعامل أن يطوّر آلات معمله وخاصة آلتي التعليب والتغليف اللتين صمّمهما أحد عماله بطريقة تقليدية، حيث تعملان بالحدود الدنيا من الجودة والسرعة المطلوبتين، انطلاقاً من قناعته بأن الشكل لا يعكس المضمون فالأهم في العملية الإنتاجية -بقناعته- هو المنتج النظيف غير المغشوش بغض النظر عن سير عملية تصنيعه وسرعتها الإنتاجية، وبرأيه ما فائدة الاهتمام بمظهر الآلات دون العناية بما تنتجه، لكونه يعمل وينتج بأقل ما يمكن من التكاليف.
مثل هذا الصناعي يفتقد –رغم جودة إنتاجه المرغوب في السوق المحلية- إلى الأفكار الجديدة والخلاقة التي من شأنها أن تعطي عجلة إنتاجه دفعاً كبيراً وتزيد في نهاية المطاف من أرباحه، بل إن إصراره على رفض التطوير وتفضيله الرضا بالحال دون الدخول بدوّامة التطوير والتحديث وما يترتب عليهما من تكاليف عالية “تثقل كاهله”، ربما يكون في النهاية غير مجدٍ..، ما يجعله أسير المقولة الخاطئة التي طالما يردّدها معتبراً أنها مبدأ اقتصادي، وهي التي تقول: “عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة”.. على حدّ تعبيره..!؟.

صراحة
صناعي آخر عبّر بكل صراحة عن عدم ثقته بأبحاثنا العلمية وخبرات مبدعيها بقوله: لماذا أتكلف على تمويل بحث علمي مرتهن باحتمالات النجاح والفشل؟ ويضيف: بإمكاني الذهاب إلى أي دولة أوروبية متفوّقة بتصنيع آلات الإنتاج والاطلاع على آخر ما ابتكرته من وسائل إنتاج حديثة أطوّر بها معملي مباشرة دون أن أقيّد عملي ببحث قد يكون مصيره الفشل!.
وكلام هذا الصناعي أيضاً، يدلّ على عدم تحمّله المسؤولية الوطنية تجاه اقتصادنا الوطني، فهو إما يجهل أو يتجاهل أن الغرب لا يمكن أن يزوّدنا بآخر ما توصل إليه من ابتكارات واختراعات وأفكار، وذلك لاعتبارات لعل أبرزها أن هناك ما يسمى -وفق مصطلحاتنا- (سرّ المهنة)، إضافة إلى -وهو الأهم- أن الغرب لا يحبّذ التطوّر لغيره وخاصة دول العالم الثالث، كي يبقى متحكماً بها.
محاولة
أمام تلك العقليات والقناعات، تحاول وزارة التعليم العالي جسر الهوة بين البحث العلمي والفعاليات الاقتصادية التي باتت تتسع بتسارع يشي بوجود حالة طلاق بين باحثينا وروّاد قطاع أعمالنا بالدرجة الأولى.
وفي هذا الشأن يؤكد وزير التعليم العالي الدكتور محمد عامر المارديني في تصريح خاص بـ”البعث”، أن الجامعات السورية وخاصة جامعة دمشق تعمل منذ نحو أربع سنوات على هذا الموضوع، وقد سخّرت جميع أبحاث الماجستير والدكتوراه لمصلحة الوزارات الأخرى.
ويبيّن أن الطالب حالياً لا ينتقي موضوعه إلا من خلال مرجعية معينة تهتم بها وزارة معينة من وزاراتنا، إلى جانب أن توجهات وزارة التعليم العالي في هذه المرحلة فيما يخص الدراسات العليا هي نحو التأهيل والتخصص، لأن مرحلة الإعمار تتطلب كوادر فاعلة على الأرض أكثر من الكوادر الأكاديمية، لذلك تحاول الوزارة أن توازن بين أنواع الماجستيرات والدكتوراه الأكاديمية من جهة، وبين ماجستيرات تأهيل التخصص خدمة لعملية الإعمار.
رفد
بدوره أكد رئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد غسان القلاع لـ”البعث” وجود تعاون بين رجال الأعمال وجامعة دمشق خاصة في مجال الصناعة، إذ إن هناك أكثر من مركز لتطوير الصناعة وخاصة النسيجية والألبسة، يتم رفده بالكوادر الشابة من الخريجين للاستفادة من خبراتهم والارتقاء بمستوى منتجاتنا الصناعية الوطنية.

لا تكفي
الخطوات الخجولة لجسر الهوّة بين الباحثين وقطاع الأعمال، لا تبشر بقرب الالتحام بين الطرفين، ما يستدعي بالضرورة إعطاء زخم أكبر للهيئة العليا للبحث العلمي، حيث تكون وسيطاً بين الطرفين لبناء علاقة إيجابية وترسيخ الثقة بينهما، إلى جانب تشكيل فريق عمل من المختصين من الجامعات ومراكز البحث العلمي لدراسة كيفية تحديد آليات عملية للربط بين البحث العلمي وفعالياتنا الاقتصادية، لأن هذه المسألة تعتبر غاية في الأهمية بالنسبة للاقتصاد السوري، وخاصة في مرحلة الإعمار من جهة، وفي ظل الانفتاح الاقتصادي وعصر العولمة من جهة أخرى، حيث لا مجال لاعتماد الصناعيين على حماية الدولة لهم.
دمشق – حسن النابلسي