ثقافة

مها الصالح.. امرأة من مسرح

لا يمكن أن نتذكرها اليوم وفي أي يوم آخر دون أن نذكر أنها الفنانة التي سبحت عكس التيار، وغردت خارج السرب، وأخلصت للمسرح  حتى النهاية رغم كل إغراءات التلفزيون التي تساقط أمامها الكثير من الفنانين.. أعطاها المسرح فأعطته، ومن هنا كانت ترى أن عملها فيه واجب, وحب متبادل، ولذلك من حقها علينا عندما نستعيد ذكراها  أن يكون ذلك من خلال ما أحبت وأخلصت له.

خارج السرب
تثبت مسيرة الفنانة مها الصالح الفنية الطويلة والغنية أنها لم تتعامل مع المسرح كنزوة طارئة بل كانت مؤمنة به وبضرورته في المشهد الثقافيّ، وبأنه الأكثر قدرة على كشف النقاب عن طاقة الفنان، هذه الطاقة التي تظهر على الخشبة دون تزويق، والقادر دون جدل على تكثيف الأزمنة والأمكنة بشكل عجيب.. اذاً لم تعش فنانتنا الراحلة حالة الفصام التي عاشها ويعيشها بعض الفنانين حين يعلنون صباح مساء عشقهم للمسرح ولا نراهم على خشبته، فكانت وعلى الرغم من الهجرة شبه الجماعية لممثلي المسرح السوري نحو التلفزيون تغرّد خارج السرب، وكانت بعكس معظم الفنانين تقبل بالتلفزيون دون أن يكون ذلك على حساب شغلها المسرحيّ، ولطالما رددت: لو خيّرت بين دور تلفزيوني وعمل مسرحي لاخترتُ الأخير.. لحرصها على أن تسبر تلك المسافة  بين الخشبة والجمهور لتصل إلى ذلك العمق الذي لا تستطيع كاميرا التلفزيون أن تكتشفه.

الفنان هو من يخلق الأزمات
كانت  مها الصالح  تؤكد في كل حواراتها أن حبها للمسرح لم يكن يعني أنها لا تحب التلفزيون أوالسينما، ولكنها كانت ضد الموجة القوية للفنانين في النزوح من المسرح، ولذلك لم تكن تنسى حادثة اعتذر فيها صاحبا دورين أساسيين في مسرحيتها “قبعة المجنون” لأنهما تلقيا عروضا تلفزيونية،  فكانت تستغرب من فنان يتنازل عن دور بطولة في مسرحية مقابل عشرة مشاهد تلفزيونية، وعليه كانت تقول إن أزمة المسرح التي يعلقها البعض عادة على أمور ثانية هي في الحقيقة ملتصقة بالفنان نفسه لأنه هو من يخلق الأزمات وتذكر أنها حين وضعت في نفس الموقف في يوم من الأيام وكانت بصدد التحضير لعمل مسرحي اعتذرت عن المشاركة في مسلسل “دليلة والزيبق” الذي أحدث ضجة جماهيرية كبيرة حين عرضه دون أن يعني لها ذلك شيئاً؟!.
إدمان المسرح
أدمنت مها الصالح في سنواتها الأخيرة المسرح فتفرغت بشكل كامل له، وقد انحازت فيه لفن المونودراما، فأخرجت ومثّلت، على الرغم من صعوبة هذا الفن على الممثل لما يتطلبه من وقوف على خشبة المسرح لمدة تقارب الساعة إلا أن هذا لم يمنعها أن تكون ليس فقط ممثلة في هذه الأعمال بل ومخرجة أيضاً كما في “الأيام الحلوة” و”خطبة لاذعة ضد رجل جالس”، كما أسست  فرقة موّال التي أنتجت بالتعاون مع دار ثقافات العالم مونودراما “شجرة الدرّ” التي قدمتها في موسكو في مهرجانها الدولي السابع لمسرح الممثل الواحد وحصلت فيه على جائزة تمثال “السيدة صاحبة الكلب” لتشيخوف.
بقي أن نؤكد اليوم ونحن نستعيد ذكرى مها الصالح أن الأيام تثبت لنا أن وهجاً من وهج المسرح السوري قد خفت برحيلها.
أمينة عباس