ثقافة

سعيد عقل في الشام مجد القول يختصر

لا شأن للرحيل بمن كان قولهم الشعري حارس مجد الأزمنة، وسادن الأمكنة، هكذا هي معادلة شعرية/ ثقافية بامتياز، لطالما مثّل الشاعر في لحظته المفتوحة ضمير الشعر حينما تكتبه ذاكرة المكان ومكان الذاكرة، ففي حيواته المتعددة عاش سعيد عقل الشام كما لم يعشها حلماً مضيئاً وفردوساً قلّ نظيره، من منح الشعراء كمال لغتهم وبلاغة إحساسهم الخالص وجلاء رؤيتهم الباذخة، هو سعيد عقل، عقل الشعر وعاطفته بآن معاً وحينما تحضر الشام أغنيته العابرة للأزمنة، فهي تحضر وجوداً وفكراً وثقافة وهوية وتاريخاً وجغرافيا متصلة كينوناتها بكينونته، ونابضة بخلجات وجده، ورافعة ذرا نشيده إلى أقصى ممكنات الجمال، وأبلغ ذروات الحق في لحظة فارقة.
جاء الشام غناءً وقافية جذلى، وبصوت فيروز المخترق حلّقا فوق الشام، كما يحلّق يمام الأموي، وامتزجا عطر نغم، كما ياسمين دمشق الغافي بسلام في شوارعها العتيقة، وعلى الأرجح أن سعيد عقل لن يمانع بأن يكون أشعر الشعراء، جواباً على سؤال الشاعر الراحل نزار قباني، فهو المجدد والريادي، وهو من مزج الشعر بالفكر، وصاغ من وجده الشامي درر الكلام، وبنى منه فراديس الشعر الجميل، وهو إذن من سكن دمشق في شعره والأدل هنا، أن الأغنيات الماتعات التي أطل بها صوت السيدة فيروز، قد انتمت إلى مقلع الشعر الأصيل، ليكون ذهب الغناء كما ذهب الشعر والقلوب المطمئنة في عشقها دمشق. فصاحب “سائليني يا شآم، وقرأت مجدك، وشام ياذا السيف، ونسمة من صوب سورية الجنوب، وأحب دمشق، ويا شام عاد الصيف”، أترع كؤوس الظمأ للشرق، وهو من حاك شجو الغمام، لكنها الشام الباقية «أرض الشهامات، شام السيف» التي مسها الطيب فكان الشعر/الغناء واسطة عقد القلوب، وطرب اللغات، كيف لا والماضي الجميل هو الغد الأجمل، يختصر السيف عند عقل مجد القول لكنه لا يختزل مجد العشق، للشام أرضاً وشعباً وحضارة تليدة، وبطولة كُتبت كآيات في الآفاق، لكنها الشام من تغضب إذا مسها ضرر لتظل هي بوابة التاريخ، لتخضُوضر الألوان في العلم الوطني، الحارس مجد الشهداء.
أجل هزم سعيد عقل قرنه، ليبني ذاكرة مدهشة مازالت تسائل كل من يلج دروبها الخضراء، عن ماهية الشعر الجميل الخالد الذي جعل الشام سُكنى الشعراء التي منحتهم أكثر من ميلاد، فظلت هواهم الأزلي الذي يشدو لأزمنة قادمة، ما خطه قلم الرؤيا وسيف الندى.
أحمد علي هلال