ثقافة

التراث الشعبي هوية وطن وثقافة مجتمع

هي ليست حنين للماضي ولا مناشدة لعلومه ورموزه، بل هي ضرورة ورسالة حضارية لصون التراث الشعبي وحمايته وتوثيقه، فالتراث يختزن ذاكرة الأمة ويؤسس لمستقبلها، وهي دعوة للمهتمين ولذوي الشأن  للبحث في قضايا التراث وإيلائه الأهمية التي تليق به كحاضن للذاكرة والتاريخ من خلال ندوة “التراث الشعبي هوية وطن وثقافة مجتمع” برعاية وزارة الثقافة ومديرية التراث الشعبي بالتعاون مع جامعة دمشق كلية الآداب وبمناسبة إحداث الماجستير التأهيلي والتخصصي للتراث الشعبي ورافق الندوة معرضاً للحرف اليدوية في بهو كلية الآداب.
تضمنت الندوة مجموعة جلسات حوارية تحدثت في بدايتها الدكتورة أمل دكاك عن الجامعة ودورها في حماية وصون وتوثيق التراث الشعبي، وأشارت إلى أن التراث هو الإرث والموروث وما تخلفه الأجيال السابقة لمن يليها، وهو مخزون ذاكرة الأمة  وتاريخها الحضاري ومصدر هويتها، وهو يشكل بفروعه كافة وحدة ثقافية متكاملة شكلّها الإنسان بتفكيره الخلاق وخبراته المتراكمة، وهو البيئة الاجتماعية التي أنتجتها الأجيال  ولها وظيفة الإشراف على سلوك الإنسان، ونوهت دكاك إلى أن الدول المتقدمة أدركت أهمية التراث والمحافظة عليه وحاربت ما قد يهدد تراثها، ولذلك فالأحرى بنا أن نحافظ على تراثنا فهو السبيل للخروج من التبعية. وأشارت إلى أن مصر كانت الدولة العربية السباقة للاهتمام بتراثها الشعبي وتحدثت كذلك عن سرقات العدو الصهيوني للتراث العربي كأكلة “التبولة” والزي الفلسطيني ونسبه إليه.

الجامعة  والتراث
وذكرت دكاك أن التراث الثقافي ينتقل من جيل إلى جيل من خلال التنشئة الاجتماعية  وقنوات التراث لها دور في نقله، وسياسة الصون والحماية من خلال الدراسة الأكاديمية وهذا ما سيفعله ماجستير التأهيل التخصصي حيث ستعمل الجامعة من خلاله على جمع التراث غير المادي وإغناء المكتبة العربية بالبحوث وتخريج كوادر مؤهلة لتعزيز دور التراث وأهميته، فمن خلال الأبحاث المقدمة سيستفاد كل مهتم بالتراث والأدب التراثي وستعمل الجامعة على نشر ثقافة التراث الشعبي بالجمع والصون والتوثيق ودراسة العادات والأعراف وجمعها وتدوينها، وكذلك الصناعات التقليدية بالإضافة إلى التعاون مع الإعلام لإحداث برامج تؤكد على عدم استغلال التراث.

الانثروبولوجيا الثقافية
بدورها تحدثت د. رؤى شريخ عن الانثروبولوجيا الثقافية وهي كلمة مشتقة من أصل يوناني بمعنى علم الإنسان أي العلوم الإنسانية التي تهتم بالدراسة الشاملة للإنسان، وهو علم لا يقتصر على دراسة حقبة معينة بل يدرس التطور البنائي للبشرية منذ أقدم الحضارات وحتى وقتنا الحاضر. وبسبب شمولية هذا العلم كان لابد من وضع تقسيمات وفروع لهذا العلم –كما أشارت شريخ – والفرع الأول هو الانثروبولوجيا الطبيعية التي تهتم بتطور الإنسان البيولوجي وتدرس بقايا الهياكل البشرية وكل ما يميز المجتمعات عن بعضها، وأما الثاني فهو الانثروبولوجيا الاجتماعية التي تدرس الإنسان ضمن جماعته  فتركز على المجتمع وليس الثقافة، والثالث هو الانثروبولوجيا الثقافية التي تهتم بالثقافة ذاتها سواء في العصر الحجري أو الحالي على اعتبار أن الثقافة هي طرق السلوك الشائعة في المجتمع  وطريقة العيش والتصرف والتي تختلف من مجتمع لآخر، وهذا يعيد تشكيل الفترات التاريخية الغابرة للأمم ويلقي عليها الضوء من زوايا جغرافية وتاريخية واجتماعية ونفسية، كما تحدثت د. شريخ عن تطور المسكن التراثي وهو الحاضن الأساسي للثقافة  ومراحل تطوره.

علاقة التراث بالتنمية
وعن دور التراث الشعبي في التنمية تحدث د. عمار النهار عن أهمية المصادر التراثية من ناحية التطوير الاقتصادي إن أُحسن استخدامها بتخطيط مستدام. ونوه إلى أن مفهوم التخلف المرتبط بالعجز عن مواكبة الدول المتقدمة تقنياً هو مفهوم خاطئ لعدة أسباب أولها أن التخلف يتعلق بالإنسان وثانيها أن هذا التخلف لا يراعي المعطيات الذاتية والثقافية للبلدان النامية فالتخلف ليس مجرد تأخر في الصناعة والإنتاج المادي، وكما أن التطور يحتاج إلى عاملين: تقني آلي وإنساني ثقافي، علينا أن لا ننسى أن الإنسان هو الموجه للتطور وكذلك للتخلف، والذي يحدد تخلف أو تقدم شعب هو امتلاك الثقافة وليس التكنولوجيا.
وعن علاقة الثقافة والتراث بالتنمية أشار النهار إلى خمس نقاط تتمثل في: ضرورة إعطاء التراث اللامادي مفهوماً واسعاً يشمل كل النشاط الإنساني، ووجوب طرح قضية التراث من خلال التطور الاجتماعي، وإلزام المثقف في البلاد المتخلفة ومطالبته بأن يساهم في خروج بلاده من وضعها، وأن تخرج الثقافة من نطاق التأمل للممارسة، وأخيراً التحام الثقافة مع التنمية. ودعا النهار إلى ضرورة إقناع الحكومة والمؤسسات والقطاع الخاص  بضرورة وجدوى الاستثمار في التراث الشعبي، ونوه إلى أن معوقات التنمية المستدامة هي تهديدات داخلية وخارجية بالإضافة إلى المعوق البشري والواقعي.

الأدب الشعبي
بينما رأى د. محمد رضوان الداية أننا جميعاً دعاة اللغة السليمة والفصحى، ولكننا في الوقت نفسه دعاة التقريب بين العامية والفصحى لمصلحة الفصحى واعتبر أن الاهتمام بالتراث والأدب الشعبي أمر مشروع وضروري ولا يوجد شيء في تراثنا إلا ويتصل بالمجتمع ويرتبط به أكثر من ارتباطنا نحن، وذكر الداية مجموعة كتب تناولت التراث الشعبي مثل كتاب “قرة العين في فرح الزين” لعبد الرحمن الملاح، وهو صورة اجتماعية ثقافية ركز على الجوانب الاجتماعية في مصر والشام وأشار إلى الاحتفالات الرسمية المستمرة وطقوسها وتقاليدها بالإضافة إلى الموسيقى والثياب والطعام. وأكد الداية أن مثل هذه الكتب تشير إلى قدرتنا على الاستفادة من التراث والمعارف الكبيرة التي يجب أن نحافظ عليها باعتبارها واجب وطني قومي.
متاحف وعراقة
من جانبه شارك د.سعيد الحجي في الندوة ببحث عن متاحف التقاليد الشعبية وقدّمه بالنيابة عنه د. عمار النهار واستعرض  من خلاله أهم  متاحف التقاليد الشعبية في المحافظات السورية، والمتحف مكان عرض التحف الفنية والشعبية وبدأ بقصر العظم في دمشق الذي يعد أهم القصور في العالمين العربي والإسلامي، وهو مركز رسمي يتألف من قاعات وغرف ورواق وبحرات، وقد حولته مديرية الآثار والمتاحف إلى متحف التقاليد الشعبية  في عام 1954. وتحدث كذلك عن قصر الزهراوي في حمص الذي كان عبارة عن مدفن بيزنطي ونظراً لأهميته بدأت أعمال تحويله إلى متحف في عام 1981، بالإضافة إلى متاحف أخرى.

الغناء والموسيقى
وفي مداخلة د. وائل النابلسي تناول المدرسة الدمشقية في الغناء والموسيقى وتحدث عن الأنماط الموسيقية الموجودة  في سورية وركز على المدرسة الدمشقية لما لها من خصائص تميزها عن بقية المحافظات وتتجسد هذه الخصائص في كون معظم هذا التراث نسائي والمساحة الضيقة الرجالية مكرسة للتراث الصوفي والديني بالدرجة الأولى، وذلك على خلاف المدرسة الحلبية التي تعتبر القدود الحلبية التي يؤديها الرجال أهم ما يميزها.      ورأى النابلسي أنه على الرغم من فقد أجزاء من التراث لكنه بالمجمل حافظ على وضعه ولاسيما بعد تسجيله  في فترة العشرينيات والثلاثينيات، وذكر النابلسي بعض محاولات تطويره فالمغنية لينا شماميان أعادت تقديم بعض الأغاني التراثية بأسلوب حديث ومعاصر مختلف عن الطريقة التقليدية كاقتباس للتراث وتخليد له على الرغم من عدم محافظته على شكله القديم.
لوردا فوزي